16-09-2025 08:46 AM
بقلم : م. أحمد نضال عواد
في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، لا بوصفها اجتماعاً بروتوكولياً، بل كمنصة استنهاض للضمير العربي والإسلامي، في مواجهة عدوان سافر تجاوز حدود الجغرافيا، ليطال رمزية العاصمة القطرية كمنبر للوساطة والسلام.
إن استهداف الدوحة لم يكن موجهاً ضد قطر وحدها، بل ضد فكرة الدولة العربية الآمنة، وضد منظومة القيم التي تمثلها الأمة في سعيها للعدل والكرامة.
لقد كشف البيان الختامي للقمة، وكلمة جلالة الملك عبداللّه الثاني يحفظه اللّه، عن تحول نوعي في الخطاب السياسي العربي: من ردود الفعل إلى بناء الرؤية، ومن الإدانة إلى هندسة الردع، ومن التنديد إلى الدعوة لتكامل مؤسسي يعيد صياغة مفهوم الأمن الجماعي العربي-الإسلامي.
إن استهداف قطر، وما سبقه من جرائم في غزة وفلسطين، يفضح هشاشة النظام الدولي في حماية الشعوب، ويعري ازدواجية المعايير التي تسمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب.
لكن الأخطر من ذلك هو أن هذا العدوان يكشف عن محاولة ممنهجة لإبقاء الأمة في حالة تفكك، عبر ضرب رموزها السياسية، وتشويه هويتها الحضارية، وتفتيت إرادتها التنموية.
وهنا تبرز أهمية الانتقال من رد الفعل إلى بناء منظومة استراتيجية شاملة، تستند إلى أدوات الردع السياسي والقانوني والاقتصادي، وتستثمر في الإنسان العربي بوصفه محور التنمية وركيزة السيادة.
التكامل العربي-الإسلامي: من التنظير إلى التفعيل ... فلم يعد التكامل خياراً سياسياً أو شعاراً إعلامياً، بل ضرورة وجودية في ظل التهديدات المتصاعدة. فالتكامل الأمني يتطلب بناء آليات دفاع مشترك، والتكامل الاقتصادي يفرض علينا تحرير القرار التنموي من الارتهان للمساعدات والضغوط الخارجية، والتكامل القانوني يستدعي توحيد الجهود لملاحقة الجرائم الإسرائيلية في المحافل الدولية.
إننا بحاجة إلى هندسة مؤسسية للتكامل، تبدأ من إعادة تعريف مفهوم "الأمن الجماعي"، وتنتقل إلى بناء شبكات تعاون في التعليم، والبحث العلمي، والابتكار، وتنتهي بتأسيس منظومة إعلامية عربية-إسلامية قادرة على إعادة تقديم خطابنا الحضاري للعالم.
الإسلام كقوة ناعمة: من الدفاع إلى المبادرة ... خاصة في ظل تصاعد خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا، فلا يكفي أن ندافع عن الإسلام، بل يجب أن نبادر إلى تقديمه بوصفه منظومة قيم إنسانية، تؤمن بالعدل، وترسخ التعايش، وتدعو إلى الرحمة. إنّنا قادرون اليوم على مواجهة التشويه، شرط أن نستعيد ثقتنا بذاتنا، ونحرر خطابنا من التبعية، وأن ننطلق معاً نحو رؤية استراتيجية عربية-إسلامية- إنسانية.
إن الرد على العدوان لا يجب أن يكون لحظياً، بل مؤسسياً، ويقوم على محاور استراتيجية أبرزها ؛ ترسيخ الأمن الجماعي عبر بناء منظومة ردع عربية-إسلامية، و تعزيز التكامل الاقتصادي لتحقيق استقلال القرار التنموي المستدام والاعتماد على الذات وأن يكون لدينا مشروعنا الوطني القابل للشراكة مع الدول الشقيقة والصديقة، و تفعيل الأدوات القانونية الدولية لكسر سياسة الإفلات من العقاب. والاستثمار في الإنسان عبر التعليم والتدريب والابتكار والتنمية البشرية. و إعادة تقديم الإسلام كقوة حضارية تربط بين الكرامة الإنسانية والعدالة العالمية.
من القمة إلى المبادرة ... لقد جاءت كلمة جلالة الملك عبداللّه الثاني ابن الحسين يحفظه اللّه لتؤكد أن الرد يجب أن يكون "واضحاً، حاسماً، ورادعاً"، وهي ليست دعوة للصدام، بل نداء للكرامة، وتحفيز لاستعادة زمام المبادرة، وترسيخ التكامل العربي-الإسلامي بوصفه مشروعاً حضارياً، لا مجرد رد فعل سياسي.
من الدوحة انطلقت صحوة جديدة، فهل نملك الإرادة لتحويلها إلى مشروع استراتيجي؟!
إنها مسؤولية النخب، وصوت الضمير، ومهمة كل الشعوب التي تؤمن بأنّ الأمة تستحق أن تكون فاعلاً لا مفعولاً به.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-09-2025 08:46 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |