15-09-2025 09:30 AM
بقلم : د. دانييلا القرعان
في الوقت الذي تحتاج فيه الساحةُ الدولية إلى أصواتٍ شجاعة تنطق بالحق، ويشتد فيه الخطر حين تلتبس فيه المصالح وتتبعثر فيه المبادئ، طلّ علينا وزير خارجيتنا أيمن الصفدي بكلمةٍ تتجاوز حدود الخطاب الدبلوماسي المعتاد، لتُضيء درباً للمساءلة، وإحقاق الحق، ودفع الظلم. إن كلمته أمام مجلس الأمن ليست تقرير عن الأحداث أو مجرّد إدانة، بل هي صرخة إنسانية وتحذير قانوني، ورسالة أخلاقية لا تحتمل التأجيل.
أبرز ما تميز به حديثه هو الجرأة في تسمية الأمور بمسمياتها. فلم يسكت عن وصف العدوان، ولم يسع للتلطيف عندما يكون الصمت خيانة، ولا لتجميل الواقع حين يكون الواقع مؤلماً. تحدث بوضوحٍ عن دولةٍ ترى نفسها فوق القانون؛ دولةٍ تتعدّى عليها حقوق الإنسان، وتتجاهل المعاهدات، وتصادر حقوق الشعوب، وتتصرف كما لو أن قدر القانون كان أن يُحجَب. هذا التوصيف ليس مجرّداً؛ بل إنذار أن النظام الدولي الذي ترتكز أسسه على القانون والميثاق والمنظمات مهدَّد حين تُمارَس الحماية الانتقائية والمبدأ الانتقائي، حين يُغفلُ الواقعُ تحت ضغط المصالح أو تُختار بعض الحقوق على حساب الآخرين.
لم يكتف الصفدي بإستنهاض الرفض الدولي للعدوان، بل دفع إلى المسؤولية المشتركة وقصّده المجتمع الدولي برمّته من الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والدول صاحبة الكلمة والنفوذ، الى مؤسسات حقوق الإنسان؛ فالرسالة واضحة، ليس هناك من تفرّغٍ لأحد، كلٌ له دوره، والنظامُ العالمي سيعيدُ ترتيبَ حساباته إذا ظُلِمَ بعضُ أفراده أو بعضُ أممِه، وكم نحتاج اليوم لأن يُلحّ كل كبيرٍ وصغير على أن يصبح موقفه إنسانياً، لا مجرد موقف سياسي؟.
كما أن قوّة الكلمة تكمن في توازُنه بين الألم والمطالبة، بين الحقّ والدعوة إلى العمل. فبينما تشهد كلمته على ما تعرّض له المدنيون من انتهاكات، وبينما تُظهر المعاناة، فهو لا يكتفي بالرثاء، بل يحثّ على المبادرات، على المساءلة، على ضمان حقوق الضحايا، وعلى وقف العدوان فوراً قبل أن يُدمَّر ما تبقى من إنسانية. فمعادلة الحقوق لا تُدار بالصدف أو بالهادئات بل بالقوانين المُلزمة والإرادة الجماعية.
ومن جميل ما كمّل الرؤية في كلمته، دعوته إلى فتح الطرق أمام السلام الدائم، لا باتّكائها على معاييرٍ مهترئة، بل على العدالة والكرامة والمساواة. فَهُنا يكمن الأمل حين تؤمن الأمم بأنّ لا أمنَ ولا سلامَ إلا بالعدالة، وحين يُعمَل بالمبدأ الذي يجعل الحقَّ حقاً، لا منّةً من أحدٍ على أحد.
في المجمل، كلمة وزير الخارجية أيمن الصفدي في مجلس الأمن تشكّل محطة مؤثرة في التحدّي الأخلاقي والسياسي؛ رسالة ليست تُلقى في الفراغ، بل تُحفر بصمتها في وجدان القائمينِ على القرار الدولي. إنها دعوة لأن تُستعاد الكلمة التي توزن، وأن يُعيد العالم الحسابات التي خيّبها التجاهل أو الصمت.وإنها كذلك تأكيدٌ على أن الأردن، كما عهدناه، لا يساوم على مبادئه، ولا يتراجع عن نصرة المظلوم، ولا يرتمي خلف المصالح الضيقة إذا كانت تُضيّع الإنسان أولاً، ثم السيادة، ثم القانون.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-09-2025 09:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |