11-09-2025 08:16 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
مجنون السلطة... الذي يجرّ الشرق الأوسط إلى الهاوية
نتنياهو، السياسي الذي أفرط في المكوث حتى تحوّل إلى كابوس، لا يبحث عن انتصار حقيقي في غزة، بل عن صورة واحدة فقط: مشهد يرفعه أمام ناخبيه ليقول "أنا الذي هزمت حماس". لكنه، بعد 23 شهرًا من العجز العسكري والسياسي، بات كمن يتخبّط في كل اتجاه. يضرب في لبنان، في سوريا، في العراق، ثم ينقضّ على الدوحة. وكأنّه يسأل نفسه يوميًا: أين أستطيع أن أقتل أحدهم اليوم… ليبدو أنني ما زلت أملك قرار الحرب؟
الضربة في الدوحة: بحث يائس عن مجدٍ على ركام الوساطة
حين اختار نتنياهو أن يضرب موقعًا لحماس في قطر، لم يكن الهدف عسكريًا صرفًا. لم يكن يتعلّق بخطة استراتيجية أو منع تهديد. بل كان مشهدًا مسرحيًا، أراد من خلاله أن يقول: "أنا هنا، حتى في الدوحة". لكن الضربة، رغم صخبها الرمزي، كشفت كم هو هزيل في واقعه: لا يستطيع اختراق غزة. لا يملك مفاتيح الأسرى. لا يستطيع إجبار حماس على الاستسلام. فذهب ليضرب على أراضي حليفٍ للولايات المتحدة… علّه يحصد جملة في نشرة الثامنة.
أميركا: قاعدة العديد تصمت… وتتواطأ؟
الغريب في المشهد أن القاعدة الأميركية في قطر — قاعدة العديد — لم تحرّك ساكنًا. لم تُصدر وزارة الدفاع بيانًا واضحًا. لم نرَ أي استدعاء أو حتى تنسيق علني. هل ضُربت الدوحة دون علم القوات الأميركية؟ أم أن التنسيق موجود… لكن الغطاء نُزع عن الدوحة في لحظة "صورة استراتيجية"؟ الصمت الأميركي يكشف أن واشنطن ليست غائبة، بل ربما "مرتبكة". فإما أنها فقدت السيطرة على الحليف الإسرائيلي، أو أنها "سمحت بالصمت" من أجل تمرير شيء ما.
الإعلام العبري: قطر؟ حاضنة لـ "القاعدة الفلسطينية"!
في الصحف الإسرائيلية، تشبيه خطير بدأ يتسلل: الدوحة تشبه "تورابورا"، وقيادة حماس في قطر مثل "القاعدة في كهوف أفغانستان". تشبيه مدروس، يربط بين الإسلام السياسي والإرهاب، ويحاول أن يُجرّم الوساطة. لكن الحقيقة أن إسرائيل تعرف، وأميركا تعرف، وكل الوسطاء يعرفون أن وجود حماس في الدوحة كان دوماً بترتيب… بغطاء… بتنسيق… وبهدف إبقاء باب التفاوض مفتوحًا.
المفارقة العربية: قطر تُقصف… الكل ينتفض. غزة تُباد… الكل يصمت!
ما أن سقطت الضربة على الدوحة، حتى شهدنا مشهدًا غير مسبوق من التضامن العربي: تصريحات من السعودية والإمارات والأردن. بيانات استنكار من الجامعة العربية. اتصالات ولقاءات ومقالات وتحليلات. وكأنّ الأرض اهتزّت لأجل حيّ في الدوحة. لكن غزة، التي تُقصف منذ عامين… التي شهدت أكثر من 50 ألف شهيد… التي فقدت كل شيء… لم تحرّك العالم العربي بهذا الزخم. هل لأن قطر دولة؟ لأن بها عاصمة؟ لأن فيها إعلامًا؟ هل السيادة أغلى من الدم؟ أم أننا فقدنا إحساس التوقيت؟
قطر... بلد عربي لا يُهان
لنُقرّ بالحقيقة: قطر أرض عربية، وعاصمة عربية، وشقيقة لا نقبل أن تُهان، ولا أن يُمسّ أمنها. لا أحد يشمت أو يفرح في أذى أي بلد منّا. لكن النقد هنا ليس لقطر، بل لأنفسنا. نحن من سكتنا كثيرًا عن غزة، واندفعنا بقوة حين جاء الخطر على عاصمة خليجية. قطر، التي دعمت صمود غزة، تستحق ألا نخذلها. وغزة، التي ما زالت تنزف، تستحق أن نحملها كما نحمل عواصمنا في النكبات.
المشهد الإعلامي: من الضحية إلى النسيان
الدوحة حين استُهدفت، امتلأت الشاشات بالعناوين، واستيقظ المعلّقون، وسارع المراسلون. بينما غزة، التي تموت كل ليلة، لم تعد تملأ العناوين، ولا تحرّك الكاميرات. هل لأن القصف أصبح معتادًا؟ أم لأن الدم الفلسطيني بات رخيصًا حتى على شاشاتنا؟ حين يُصاب حجر في عاصمة، نهبّ للدفاع. وحين تُباد مدينة، نصمت. هناك خطأ في المعادلة. بل جريمة في التوازن.
قطر بعد الضربة: هل تغير شيء؟
قد تعيد الضربة في الدوحة رسم بعض السياسات، وقد تُغيّر حسابات، لكن الحقيقة الأكبر أنها تُعيد طرح السؤال: إذا كانت قطر، بكل ما تملك من علاقات وتحالفات وقواعد، لا تُستثنى من الاستهداف، فماذا عن بقية العواصم؟ من التالي؟ بيروت؟ بغداد؟ عمان؟ لا أحد بمنأى. والسكوت لن يحمينا.
العرب جميعًا على قائمة الهدف
لن يُفرّق المشروع الصهيوني بين دوحة وقاهرة، ولا بين بيروت والرياض. الخطر يطال الجميع. من يشتم فلسطين اليوم، سيُستهدف غدًا. من يسكت عن غزة، سيبكي على عاصمته لاحقًا. إنهم لا يستثنون أحدًا. والتاريخ يقول: حين تُترَك النار بلا جبهة واحدة، ستحرق كل شيء.
العدو واحد… والمشروع واحد
الصهيونية ليست خصمًا لفلسطين فقط، بل عدوٌ لفكرة العروبة كلها. تريد أن تُسقط ما تبقّى من الهويّة، وتُطفئ آخر شعلة في ثقافتنا. من اعتقد أن إسرائيل تسعى لسلام مع بعض العرب فهو واهم. ما تسعى له هو نزع المخالب… ودفن الأصوات.
الصمت العربي… هل هو خوف؟ أم ضياع؟
من لم يصرخ لأجل غزة، خائف. ومن لم يتحرك لأجل الدوحة، تائه. الخوف والتوهان صنوان. لكن الأمة التي تخاف… تُنسى. والتي تتوه… تُؤكل. والمطلوب الآن ليس اجتماع طارئ، بل وعي طارئ. الصحوة وحدها لا تكفي، يجب أن نعي أن الضربة ليست في الدوحة… بل في جدارنا الداخلي كله.
الختام: العدو واحد… والنار تتّسع
آن الأوان أن نكفّ عن دفن رؤوسنا في مجاري السياسة الإقليمية الضيقة، وأن نعترف بالحقيقة الصافية كالدم: عدو غزة، هو نفسه عدو قطر، هو نفسه عدو بيروت ودمشق وصنعاء وعمّان والقاهرة. عدوّنا واحد… ومشروعه لا يعترف بالحدود، ولا يستثني أحدًا. الصهيونية ليست مجرّد احتلال لأرض فلسطين، بل مشروع توسّعي قائم على نفي الآخر، مسح الهويّة، وتدمير الذاكرة. ومَن يظنّ أن الدوحة استثناء، أو أن عاصمة عربية محصّنة بجغرافيا أو قواعد، فهو لا يعرف ما معنى أن تكون مستهدفًا في مشروع إسرائيل الكبرى. الغارة على غزة التي لم تتوقّف، والضربة في الدوحة، والغارات في لبنان وسوريا والعراق… كلها ليست سوى مقدمات لنار إذا لم تُخمد الآن، ستتّسع حتى تلتهمنا جميعًا. هذه النار، إن تُركت بلا مواجهة، ستزحف كالمجاري في العواصم. ستصل إلى النُخَب، إلى قصور الحكم، إلى عقول الجيل. وإن لم نواجهها بالوعي والوحدة، فلن يكون لنا ما نحميه، لا بيت، ولا صوت، ولا علم. فمن الدوحة إلى غزة… رسالة واحدة: إما أن نقف اليوم جميعًا كأمّة، أو نحترق فرادى، ويمسحنا التاريخ كما يُمسَح اسم قريتنا عن خريطة قديمة في وزارة إسكان إسرائيلية. العدو واحد… فلنكن أمة واحدة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-09-2025 08:16 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |