حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,12 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5936

زياد فرحان المجالي يكتب: مشروع بن غفير: الجريمة كسلاح استراتيجي ضد الفلسطينيين في الداخل

زياد فرحان المجالي يكتب: مشروع بن غفير: الجريمة كسلاح استراتيجي ضد الفلسطينيين في الداخل

زياد فرحان المجالي يكتب: مشروع بن غفير: الجريمة كسلاح استراتيجي ضد الفلسطينيين في الداخل

07-09-2025 08:51 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زياد فرحان المجالي
منذ أن اعتلى إيتمار بن غفير منصب وزير "الأمن القومي"، أعاد إنتاج سياسة قديمة في ثوب جديد: تحويل المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948 إلى ساحة للفوضى والعنف. لم يخترع بن غفير هذه المعادلة، بل ورثها من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ قيام الدولة العبرية، ثم عمل على تصعيدها وتأطيرها كأداة دائمة للسيطرة.
فمنذ عقود، فُرضت على الفلسطينيين في الداخل قيود قاسية: منعوا من تملك أو شراء المنازل في كثير من المناطق، وجرى تهميشهم من أجهزة الدولة، وأرغمت شرائح منهم – خصوصاً الدروز والبدو – على الخدمة العسكرية عبر اتفاقات مع زعامات دينية مثل الشيخ طريف. أما التعليم، فخُفّضت مستوياته عمداً، وأُقفلت أمام الخريجين أبواب الجامعات والعمل، ليجد معظمهم أنفسهم عمالاً في الاقتصاد الإسرائيلي.
إلى جانب ذلك، غذّت السلطات الانقسامات القبلية والعشائرية، فعمّقت الشرخ داخل المجتمع الفلسطيني، وحوّلت الروابط الطبيعية إلى ساحة تنازع على النفوذ المحلي. هذه السياسة الممنهجة وفّرت البيئة المثالية لمشروع بن غفير لاحقاً: استثمار الجريمة المنظمة كأداة لإضعاف النسيج الاجتماعي وتفريغ الداخل الفلسطيني من قوته.
الجريمة كأداة حكم
بن غفير – وهو تلميذ الحاخام المتطرف مائير كهانا الذي دعا صراحة إلى هدم المسجد الأقصى – قدّم نفسه لليهود باعتباره "حامي الأمن". لكنه في الواقع قاد حرباً صامتة على الفلسطينيين في الداخل: حرب لا تعتمد على الدبابات ولا الاعتقالات فحسب، بل على خلق بيئة اجتماعية خانقة، تغرق في الدم والمخدرات والسلاح.
الشرطة الإسرائيلية، التي تملك قدرات هائلة على تفكيك أي خلية مقاومة في الضفة أو غزة خلال ساعات، تتقاعس عن عمد في مواجهة عصابات الإجرام داخل البلدات الفلسطينية. بل إن معطيات السنوات الأخيرة تكشف الفارق الصارخ: معظم جرائم القتل في الوسط اليهودي تُحل سريعاً، بينما تبقى عشرات الجرائم في الوسط الفلسطيني بلا تحقيق أو محاسبة، بل وأحياناً تُوجَّه أصابع الاتهام لضحاياها أو تُسرب تلميحات لإشعال نار الثأر الداخلي.
الأرقام الدامغة
التقارير الحقوقية والإعلامية تؤكد ذلك:
عام 2017 قُتل ثمانية وخمسون فلسطينيًا في الداخل.
عام 2018 قُتل ثمانية وخمسون آخرون، بينهم ثلاث عشرة امرأة.
عام 2019 قُتل ثلاثة وتسعون.
عام 2020 قُتل تسعة وتسعون.
عام 2021 قُتل مئة وسبعة وعشرون.
عام 2022 قُتل مئة وتسعة.
عام 2023 قُتل مئتان وأربعة وأربعون، وهو رقم قياسي غير مسبوق.
وبحلول منتصف عام 2024 كان عدد الضحايا قد تجاوز مئة وسبعين.
هذه الأرقام – التي أوردتها صحف مثل هآرتس وفاينانشال تايمز – لا تُظهر فقط تقصيراً شرطياً، بل سياسة متعمدة، حيث تتحول الجريمة إلى وسيلة لإشغال الفلسطيني بنفسه وإبعاده عن قضاياه الوطنية.
صناعة الفوضى وتقويض الهوية
المراقبون يؤكدون أن هدف هذه السياسة يتجاوز حدود "الأمن". إنها محاولة لتفكيك البنية المجتمعية للفلسطينيين في الداخل:
ضرب الثقة بين الناس وممثليهم السياسيين،
إشاعة الانقسام الطائفي والعشائري كبديل عن القانون،
نشر المخدرات والسلاح لإضعاف الأجيال الشابة،
تحويل هموم الناس من النضال من أجل الحقوق إلى البحث عن الأمن الشخصي.
عامر الهزيل، الكاتب السياسي ونائب رئيس بلدية رهط سابقاً، يوضح أن الاحتلال سعى على مدى عقود إلى "هدم البنية القيادية التقليدية"، وإضعاف سلطة الأسرة والجيل الكبير، لترك الشباب بلا قيادة رشيدة، ودفعهم نحو حمل السلاح الفردي أو الانخراط في العصابات. إنها عملية "إنتاج فراغ اجتماعي"، يسهل على الدولة ملؤه بالوصاية الأمنية.
مشروع ممتد عبر الزمن
ليست سياسات بن غفير استثناءً عابراً، بل امتداداً لمسار إسرائيلي طويل يرى في الفلسطينيين في الداخل "خطر ديمواغرافي" يجب تحييده. لذلك، جرى تقسيمهم منذ البداية إلى فئات (مسلمون، مسيحيون، دروز، بدو) لإضعاف أي مشروع جامع، مع استخدام بعضهم – كالدروز والبدو – في الجيش وحرس الحدود.
وفي الوقت نفسه، حرصت الحكومات المتعاقبة على إبقاء الفلسطينيين في الداخل في حالة تبعية اقتصادية، وعزلة اجتماعية، وتهميش سياسي. حتى مشاركة العرب في الكنيست جاءت متأخرة ومقيدة، مع محاولات مستمرة لإخراج الأحزاب العربية من اللعبة السياسية.
الخلاصة: حرب بالجريمة لا على الجريمة
ما يحدث اليوم إذن ليس "فشل دولة" بل "نجاح سياسة". فإسرائيل، بوعي كامل، تستخدم الجريمة المنظمة كأداة لإدارة الفلسطينيين في الداخل، تماماً كما تستخدم الحصار في غزة والجدار في الضفة. إنها حرب بالجريمة، لا على الجريمة.
غير أن هذه السياسة – مهما بدت محكمة – تصطدم بجدار الصمود الفلسطيني. فالفلسطينيون في الداخل الذين واجهوا النكبة والمصادرة والتهميش، ما زالوا يتشبثون بهويتهم، ويجدون في كل موجة استهداف دافعاً جديداً لإعادة تنظيم أنفسهم. الكجريمة قد تفتك بالأفراد، لكنها لا تستطيع أن تقتل الذاكرة الجماعية ولا أن تمحو الحق التاريخي.








طباعة
  • المشاهدات: 5936
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-09-2025 08:51 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم