30-08-2025 02:27 PM
بقلم : غاندي النعانعة
لا يمكن الحديث عن تعليم الفلسفة دون الاستناد إلى رؤى عمالقة الفكر الذين أسسوا لهذا العلم عبر العصور. فالمعلم الأول أرسطو ، يرى أن غاية التعليم هي الوصول إلى السعادة من خلال إعمال العقل والفضيلة؛ وقد أسس لمنهجية التفكير المنطقي التي لا تزال تشكل أساساً للفلسفة والعلم حتى اليوم.
أما الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد ، فيؤكد على أن الفلسفة هي ضمير الشريعة وليست ندا لها، وهي تهدف إلى فهم الحقائق عبر التأويل العقلي الذي لا يتعارض مع النقل الصحيح. وقد دافع ابن رشد عن حق العقل في الاجتهاد، معتبراً أن الحكمة هي ضالة المؤمن ينبغي أن يطلبها و يسعى لبلوغها .
و إن إدخال مادة الفلسفة إلى المناهج الأردنية يُعدّ استثماراً حقيقياً في مستقبل الشباب، ولبنةً أساسيةً في بناء جيلٍ واعٍ، مفكر، وقادر على المساهمة في نهضة الأردن المعرفية. وهو خطوةٌ تستحق الإشادة، وتؤكد حرص القائمين على التعليم في الأردن على تخريج طلبة لا يحملون شهادات فحسب، بل يحملون أيضاً أدوات التفكير والفهم التي تؤهلهم للحياة بوعيٍ وحكمة، متبعين في ذلك نهج أرسطو الذي رأى في التعليم فضيلة، وابن رشد الذي جعل من العقل طريقاً إلى الحق.
و في ظل عالم تتسارع فيه وتيرة التغير ويتعقد فيه المشهد المعرفي، يبرز دور التعليم كمنارة تستهدي بها الأجيال نحو الفهم العميق للذات والوجود.
ولم يعد هذا الدور مقتصراً على نقل المعلومات وحشو الأذهان بها، بل تعداه إلى بناء الشخصية المتكاملة القادرة على التفكير النقدي، والحوار الموضوعي، ومواجهة الحياة بتحدياتها وتعقيداتها.
وفي هذا الإطار، يأتي تدريس مادة الفلسفة في المدارس الأردنية ليمثل إضافةً نوعيةً وجوهريةً إلى المنظومة التربوية، وذلك من خلال الكتاب الجديد الذي أطلقه (المركز الوطني لتطوير المناهج) و الموجه لطلبة الصف الثاني عشر.
وتكمن أهمية تدريس الفلسفة في قدرتها على تنمية التفكير الناقد لدى الطالب، من خلال إكسابه مهارات طرح الأسئلة الجوهرية، وتحليل الأفكار، وتمييز الرأي من الحجة، والاستدلال المنطقي السليم،وهذا ما تجسده الوحدات المختلفة في الكتاب لنجد أن عنوان "المنطق والتفكير الناقد" يتناول بالشرح والتحليل أنواع الحجج والاستدلال ومهارات التفكير النقدي.
كما تتيح الفلسفة للطالب فرصة فهم التراث الإنساني والإطلاع على مراحل تطور الفكر عبر العصور، من بدايات التفكير الفلسفي مروراً بالفلسفة اليونانية والإسلامية وعصر النهضة، ووصولاً إلى الفلسفة المعاصرة؛وهذا يوسع آفاق الطالب فكرياً ويربطه بحلقات التطور الفكري للإنسانية.
ولا تقل أهمية عن ذلك دور الفلسفة في بناء الشخصية المتوازنة، حيث تعزز لدى الطالب قيماً كالتسامح، واحترام الرأي الآخر، والحوار الهادئ، وتكوين الرأي المستقل بناء على الشواهد و الحقائق وهذا واضحٌ في عناوين من مثل "الموقف الفلسفي" و"دور الفلسفة في الحضارة الإنسانية".
وبذا يعمل المركز الوطني لتطوير المناهج على تقديم محتوىً تعليميٍ متطورٍ، ومتنوعٍ، يلبي حاجات الطلبة المعرفية والنفسية، ويواكب المستجدات العالمية في مجال التربية والتعليم. وقد تم إعداد كتاب الفلسفة وفق رؤيةٍ واضحةٍ تقوم على التسلسل المنطقي للموضوعات، حيث قدمت الوحدات الأربع (ما الفلسفة، تاريخ الفلسفة، نظرية المعرفة، المنطق والتفكير الناقد) بشكلٍ متدرجٍ يسهل على الطالب البناء المعرفي المتسق مع تعزيز المحتوى بأنشطةٍ وأسئلةٍ تحفيزيةٍ تشجع على البحث والاستقصاء، وتعزز التعلم الذاتي،
و الربط بالواقع، حيث تم انتقاء موضوعات تعكس قضايا أساسية في حياة الطلبة،تساعدهم على فهم العالم من حولهم، وتطوير مهاراتهم في التعامل مع القضايا والأفكار المطروحة.
هذا الكتاب، الذي يبدو أنه جاء ثمرة جهدٍ وطنيٍّ قادته وزارة التربية والتعليم، ليس مجرد مقررٍ دراسيٍ تقليدي، بل هو مشروعٌ فكريٌ طموحٌ يهدف إلى تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطلبة، وتمكينهم من أدوات التحليل والنقد والتساؤل المعرفي.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-08-2025 02:27 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |