حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,26 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 8060

محمد علي الزعبي يكتب: المديونية العامة .. بين استحقاقات الواقع وضغط الظروف

محمد علي الزعبي يكتب: المديونية العامة .. بين استحقاقات الواقع وضغط الظروف

 محمد علي الزعبي يكتب: المديونية العامة ..  بين استحقاقات الواقع وضغط الظروف

26-08-2025 09:16 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : محمد علي الزعبي
لم تكن المديونية العامة في الأردن خيارًا ترفيًّا أو نزوة حكومات متعاقبة، بل كانت استحقاقًا مريرًا فرضته ظروف استثنائية وتراكمات إقليمية ودولية لم يكن من السهل تجاوزها. ورغم ما حملته بعض الدراسات والتقارير من إشارات نقدية حول هذا الملف – وهي دراسات نحترم من كتبها ونسلّم بأهميتها – إلا أن القراءة المنصفة تقتضي أن نعي جيدًا حجم الظروف التي عصفت بتلك الحقبات، وما فرضته من ضغوط حالت دون أي بدائل عملية سوى اللجوء إلى الاستدانة لتسيير شؤون الدولة وصون استقرارها.

لقد واجهت الحكومات الأردنية منذ عقود سلسلة من التحديات المتشابكة: أزمات الطاقة المتكررة، انقطاع الغاز المصري، موجات اللجوء التي استنزفت البنية التحتية والخدمات، ثم جاءت جائحة كورونا لتعصف بما تبقى من موارد، فأقفلت الأسواق وتراجعت الإيرادات الضريبية وتباطأت عجلة النمو. وفي مواجهة هذه الظروف، ومع الحروب الإقليمية المتلاحقة وما آلت إليه بعض دول الجوار من أحداث دامية وأزمات سياسية وأمنية، كان الأثر على الاقتصاد الوطني عميقًا ومباشرًا؛ إذ انكمشت الأسواق التصديرية، وتراجعت حركة التجارة البينية، وازدادت الضغوط على القطاعات الحيوية والبنية التحتية، ما جعل خيارات الدولة محدودة وضيّقة في التعامل مع هذه التحديات. ومن هنا لم يكن أمام الأردن سوى اللجوء إلى صناديق التمويل والدعم المالي لتأمين الحد الأدنى من استمرارية الخدمات ورواتب الموظفين، وللحفاظ على استقرار الدينار الذي يعد خط الدفاع الأول عن الاقتصاد الوطني.

إن الدفاع عن رؤساء الوزارات في هذا السياق ليس دفاعًا عن أشخاص بقدر ما هو دفاع عن منطق الدولة في مواجهة العاصفة. فمن غير المنطقي أن نُحمّل الحكومات وزر أزمات عالمية وإقليمية تفوق قدرتها على المعالجة الذاتية. ما قامت به الحكومات لم يكن ترفًا سياسيًا، بل إجراءات اضطرارية لدرء الانهيار، وضمان استمرار الدولة في أداء وظائفها الأساسية للمجتمع.

صحيح أن حجم المديونية ارتفع، لكن من الإنصاف القول إن جزءًا كبيرًا من هذه القروض وُجه لتغطية نفقات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، ولتنفيذ مشاريع تنموية تخدم الأجيال القادمة. وهنا تبرز مسؤولية الدولة في إدارة الدين لا في إلغائه، فكل اقتصاد ناشئ يواجه استحقاقات تتطلب الاستدانة ضمن معايير مدروسة تحفظ السيادة المالية وتوازن الموازنة.

اليوم، لا يمكن اختزال المديونية في خطاب تبسيطي يجلد الذات ويلصق التهم برؤساء الحكومات، بل يجب أن يُنظر إليها بوصفها نتيجة طبيعية لخيارات مضبوطة بميزان الضرورة، فرضتها ضغوط الإقليم والجائحة وتقلّبات الأسواق العالمية.

إن مواجهة المديونية ليست في تعليق اللوم على شخص أو حكومة، بل في استمرار الدولة بسياساتها الإصلاحية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتوسيع قاعدة الاستثمار، وضبط النفقات غير الضرورية، بما يحافظ على استقرار الاقتصاد ويحمي الوطن من هزات محتملة.

فالمديونية ليست وصمة، بقدر ما هي شهادة على صمود الدولة في وجه عواصف متتالية، وقدرتها على أن توازن بين تحديات الداخل وموجبات الخارج، دون أن تفقد هويتها الاقتصادية أو تتنازل عن سيادتها السياسية. وهنا تتجلى رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أكد مرارًا على أن الإصلاح الاقتصادي لا ينفصل عن الإصلاح الإداري والسياسي، وأن التخفيف من عبء المديونية يتطلب خطوات جريئة نحو تمكين الاستثمار، وتحفيز القطاع الخاص، وإطلاق طاقات الشباب، بما يفتح آفاقًا جديدة للاقتصاد الوطني ويُعيد التوازن إلى المالية العامة.

وبهذا المعنى، فإن المديونية، مهما كانت ثقيلة، ليست نهاية الطريق، بل دافع إضافي لمواصلة مسيرة الإصلاح والبناء بثقة وإيمان، مستندين إلى قيادة هاشمية حكيمة، وإرادة وطنية صلبة، وشعب لا يعرف المستحيل.











طباعة
  • المشاهدات: 8060
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-08-2025 09:16 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم