حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,20 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 8607

تمارا خزوز تكتب: من وحي المغتربين ونكهة العودة

تمارا خزوز تكتب: من وحي المغتربين ونكهة العودة

تمارا خزوز تكتب: من وحي المغتربين ونكهة العودة

19-08-2025 09:20 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : تمارا خزوز
تتجدد عودة المغتربين مع كل صيف، ويتجدد معها التذمر من فوضى الطرق وغياب التنظيم مقارنة ببلدان الإقامة، غير أنّ الشغف بالعودة والتعلّق بالأمكنة والتفاصيل يظل مشهداً جديراً بالتأمل.

بالطبع، أصل الحكاية هو لقاء الأهل وما يرافقه من نوستالجيا العودة إلى الوطن أينما كان؛ غير أن عودة الأردنيين تحمل نكهة خاصة، عودة مرتبطة بالأجواء، والمدن، والمحافظات، والأحياء، والأسواق، والطقوس الاجتماعية، والمطبخ. وهي ذاتها نكهة بلاد الشام التي عهدناها ونستحضرها بغصّة.
لا يحتاج الأردن، إذن، أن يشبه مكاناً آخر ليصبح أكثر جاذبية؛ ويكفيه أن يشبه نفسه ويحافظ على أصالته وهويته الثقافية والاجتماعية، ليمنح الناس شعور الألفة، ويقدّم لزائريه تجربة شخصية فريدة، بعيدة عن أي منافسة خاسرة تقوم على استنساخ تجارب الآخرين في مجال الترفيه وتقديم الخدمة.
القصة، في جوهرها، هي العودة للجذور، ليصبح الأردن وجهة سياحية عالمية تقدّم تجربة سفر نوعية وفريدة للسائح. والعمل من قبل الجهات المعنية في هذا الاتجاه ليس صفريا، لكن كل ما يتطلبه الأمر هو إيجاد مظلة تنسيقية تعمل على توحيد الجهود الرسمية والأهلية، بما يضمن عدم تشتيت الطاقات وتعزيز تنافسية الأردن على المستوى العالمي.
تبدأ الخطوة الأولى لتحقيق هذه الأهداف، بترسيخ الهوية الثقافية المحلية واستثمار عناصر التراث المادي وغير المادي — من موسيقى وفلكلور وطقوس وأدب شعبي وحرف يدوية — مع إشراك المجتمع المحلي ورفع مستوى وعيه السياحي. هذا ما خلصت إليه التوصيات التي تضمنتها مراجعة تشخيصية أعددتها بمساعدة فريق بحثي قبل عامين لصالح الاتحاد الأوروبي في عمان، وكانت بعنوان «دعم التراث الثقافي المستدام من خلال رفع كفاءة منظمات المجتمع المدني والجمعيات المحلية».
كما يستدعي الأمر، بحسب خبراء تمت مقابلتهم بشكل معمّق في ذات المراجعة، توفير بيئة تشريعية وتنظيمية ممكنة، وتعزيز التشاركية بين القطاع العام والخاص في صياغة السياسات العامة المتعلقة بالقطاع السياحي، بهدف تحسين الحوكمة وبناء القدرات المؤسسية.
المقصود هنا ليس وضع خطط استراتيجية جديدة أو خريطة طريق مختلفة، فنحن على ثقة أننا نملك منها العشرات، بل المقصود العمل على تغيير ذهنية صانع القرار والمجتمعات المحلية نفسها، لضمان مساهمة التراث الثقافي كمحرّك أساسي في عملية التنمية المستدامة، وخلق فرص اقتصادية وثقافية، وتحويله إلى مصدر رئيسي لتحسين جودة الحياة لهذه المجتمعات.
الذهنية التي نتحدث عنها هي ذهنية ابتكارية خلاقة، تستفيد من أصالة المكان وروحه لرسم مسارات سياحية تتيح للسائح قضاء تجربة ريفية خالصة؛ بيوم يبدأ مثلًا بالتعرّف على البيض البلدي والشاي بالميرمية وخبز التنور، ثم الانتقال للمشاركة في عملية مرس الجميد وطبخ المنسف، قبل أن التوجّه مساءً لشارع السلط لشراء منتجات تراثية متنوعة والاستماع للموسيقى الشعبية.
لا نريد، ولا يريد السائح، أن يجلس في مساحات إسمنتية شاحبة وجامدة لمشاهدة بازار لمنتجات منزلية مصفوفة في «مطربانات» تُعرض على رفوف أحد المباني في عمّان، بل لتُترك زيارة عمان لمدرّجها الروماني وسحر وسط البلد وشرقها وجنوبها. فمن يأتي للسياحة في بلادنا غالباً ما يأتي من رحم العولمة وهارباً منها، باحثاً عن الهدوء وبساطة الريف وجمال الطبيعة، من دون أن يتوقع العثور على عناصر الإبهار العمرانية والخدمية والتسويقية!
لقد سبقتنا إلى هذه الذهنية معظم المدن الأوروبية الواقعة على البحر المتوسط، إضافة إلى تركيا ومصر ولبنان، وكانت هذه وصفة نجاح سياحية بالنسبة لها. في المحصلة، تبقى عودة المغتربين تذكيراً سنوياً بأهمية هوية المكان وثقافته، وبقدرة بعض التفاصيل الصغيرة — من دكّان الحارة إلى مطعم شعبي لصحن كنافة أو سندويشة شاورما وفلافل — على صناعة ما نسميه حقاً «نكهة العودة».








طباعة
  • المشاهدات: 8607
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-08-2025 09:20 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم