بقلم : نضال أنور المجالي
تصريحكم الأخير يا معالي الوزير، بأن "لا استثناءات من خدمة العلم.. حتى أبناء الوزراء والنواب والسفراء"، كان له وقع خاص في نفوس الأردنيين. فمنذ زمن طويل، اعتادت الأجيال على أن بعض القواعد لا تنطبق على الجميع، وأن "أبناء الذوات" لهم طريق مختلف عن طريق أبناء الفلاحين والعمال، مما خلق شعوراً عميقاً بالظلم.
لقد عانى أبناء الطبقات البسيطة طويلاً، وشاهدوا كيف أن أبواب الفرص تفتح بسهولة لأبناء المسؤولين، بينما يصطدم أبناؤهم بالجدران. من هنا، جاء تصريحكم ليحمل بارقة أمل، بأن زمن المساواة قد بدأ وأن العدالة ستأخذ مجراها أخيراً.
لكن، وبينما نأمل أن يكون هذا التصريح بداية لتغيير حقيقي، يظل السؤال معلقاً في أذهاننا: هل ستُترجم هذه الكلمات إلى أفعال؟ وهل سنرى حقاً أن أبناء هذه الطبقة "الخاصة" يقفون في نفس الصف مع أبناء من "يحرثون" الأرض؟
إن المساواة الحقيقية ليست مجرد تصريح يُطلق في وسائل الإعلام، بل هي واقع يُعاش يومياً. إنها أن يرى الشاب الأردني، مهما كان موقعه الاجتماعي، أن الفرص متاحة للجميع، وأن الواجبات الوطنية لا تقتصر على أبناء طبقة دون أخرى.
إن المطالبة بالمساواة في خدمة العلم ما هي إلا جزء من صورة أكبر بكثير. المواطن لا يرى العدل مجرد تطبيق لقانون واحد، بل يتطلع إليه في كل منعطف من منعطفات حياته. يجب أن تمتد هذه المساواة لتشمل:
الفرص الاقتصادية: أن يجد أبناء كل الأردنيين فرص عمل متكافئة، بغض النظر عن الواسطة أو المكانة الاجتماعية.
العدالة القضائية: أن يكون القانون فوق الجميع، وأن لا يستطيع أحد الالتفاف عليه بحكم نفوذه.
التعليم والصحة: أن يحصل جميع المواطنين على خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة.
المشاركة السياسية: أن تكون أبواب المشاركة في الحياة العامة مفتوحة لكل من يمتلك الكفاءة، وليس فقط لمن ينتمي إلى طبقة معينة.
وفي سياق هذه المطالب، نرجو من الحكومة كذلك إعادة النظر في وضع المتقاعدين العسكريين الذين أفنوا شبابهم في خدمة هذا الوطن. فهل الراتب التقاعدي يسد رمق المتقاعد اليوم؟ نأمل أن يُعاد دراسة رواتبهم لضمان حياة كريمة لهم، تقديراً لجهودهم وتضحياتهم.
معالي الوزير، إن ما يحتاجه المواطن ليس فقط كلاماً عن المساواة، بل يحتاج إلى الشعور بها. إن المساواة الشاملة هي الأساس الذي يُبنى عليه الوطن القوي، فالشعور بالعدل هو ما يمنح المواطن الثقة بوطنه وقيادته، ويجعله شريكاً حقيقياً في بنائه. وعندما يرى الجميع أنهم متساوون في الحقوق والواجبات، تترسخ قيم الولاء والانتماء، وتزدهر المجتمعات.
حفظ الله الأردن والهاشميين.
الكاتب المتقاعد العسكري نضال أنور المجالي.