بقلم : جهاد المنسي
لم يكن غريباً على بنيامين نتنياهو إطلاق تصريحات استفزازية بحق الأردن ودول عربية أخرى، فهو يملك تاريخاً طويلاً من الخطاب العنصري والتوسعي، والنازي، والدموي، ولكن حجم الوقاحة التي ظهرت في حديثه عن «إسرائيل الكبرى» التي تمتد حسب رؤيته الواهمة لتشمل أجزاء من الأردن ومصر وفلسطين وسورية ولبنان، دللت على عربدة ليست غريبة عنه، ولا يمكن النظر إليها باعتبارها ورقة انتخابية داخلية يغازل بها قاعدته اليمينية، بل أصبحت تهديداً مباشراً للأمن القومي الأردني والعربي، ورسالة تحدٍّ سافرة للمنطقة بأكملها.


تصريحات قادة الحرب في إسرائيل وزعيمهم، لم تكن جديدة في مضمونها وانما جاءت في لحظة حساسة تشهد فيها المنطقة اضطراباً غير مسبوق، فبينما نشهد يوميا عدوان بربري صهيوني على قطاع عزة ومحاولات خجولة لإيجاد مخرج سياسي عادل للقضية الفلسطينية، يطل نتنياهو ليعيدنا لمربع الأطماع القديمة، متجاهلاً كل الاتفاقيات والمعاهدات والقانون الدولي، والقرارات الدولية، ويحدثنا عن أطماع ليست موجودة الى مخيلته.

هذا الكلام لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فهو يستهدف بشكل مباشر سيادة الأردن واستقراره، ويحاول التشكيك في دوره التاريخي كراع معترف به للمقدسات في القدس وشريك رئيس في أي معادلة تخص فلسطين، لهذا كان الرد الأردني الرسمي والشعبي واضحا على قدر خطورة هذه التصريحات، وانصبت المطالبات على توحيد المواقف الرسمية، وتفعيل الأدوات الدبلوماسية والإعلامية والقانونية، وإعادة التذكير بأن الأردن خط أحمر، فالسكوت على مثل تلك التصريحات من شانها فتح شهية الاحتلال لمزيد من التمادي.
والأهم أن تكون هناك مراجعة جدية للاتفاقيات مع الاحتلال، وفي مقدمتها معاهدة السلام، ووضع خيار التجميد أو إعادة النظر بها على الطاولة، لإيصال رسالة حازمة بأن الأردن لن يقبل بتهديد سيادته تحت أي ظرف.
في السياق ذاته، لا يمكن فصل تصريحات نتنياهو عن الممارسات اليومية لرموز حكومته المتطرفة، وعلى رأسهم وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، الذي تعمّد مؤخراً إهانة القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي داخل زنزانته، هذا التصرف ليس مجرد حادث فردي، بل يعكس ذهنية سلطوية عنصرية نازية تعتبر كل صوت فلسطيني حر تهديداً يجب سحقه، والبرغوثي، الذي يقبع في الأسر منذ سنوات طويلة، بات رمزاً للمقاومة والصمود، ولذلك فإن استهدافه بهذا الشكل يكشف حجم الخوف الذي يعتري الاحتلال من الرموز الوطنية، والفكرة النازية التي تعتمر عقل الصهاينة.
الدرس المستفاد الذي يجب أخذه بعين الاعتبار أن الاحتلال لا يعرف سوى لغة القوة والضغط، وكلما شعر أن المنطقة منشغلة بخلافاتها الداخلية، زاد منسوب عنجهية وعدوانه، لذلك فإن المطلوب اليوم تحرك عربي شامل، لا يقتصر على بيانات الإدانة، بل يتعداها لخطوات عملية كتفعيل الدبلوماسية العربية في المحافل الدولية لمواجهة الخطاب التوسعي الإسرائيلي، وإعادة الاعتبار لمشروع الوحدة العربية في مواجهة الخطر المشترك، بدل ترك الساحة مفتوحة للاحتلال ليفرّق ويستفرد، ودعم صمود الفلسطينيين، سياسياً ومادياً وإعلامياً، لأنهم خط الدفاع الأول، وفتح ملف الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين بشكل متواصل، وعدم السماح بمرورها وكأنها تفاصيل ثانوية.
علينا جميعا التعامل مع أقوال نتنياهو وتصريحاته التوسعية باعتبارها مشروعا إسرائيليا واضحا وأطماعا كان يهمس بها في الغرف المغلقة، واليوم باتت حقيقة يصرح بها بشكل علني، واستثمارها كفرصة لإعادة بناء موقف عربي أكثر صلابة، فالمخاطر التي تهدد الأردن هي نفسها التي تواجه مصر وفلسطين وسائر الدول العربية.
الأردن أثبت عبر تاريخه أنه عصيّ على التهديدات، قادر على مواجهتها لكن ذلك يتطلب تحركاً حكومياً حازماً، وموقفاً شعبياً مسانداً، ودعماً عربياً حقيقياً لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، لأنه الحاجز الأول أمام مشروع الاحتلال التوسعي، فلا يمكن مواجهة أوهام التوسع إلا بالوحدة، ولا يمكن التصدي لعنجهيتهم إلا بالموقف الجماعي.