16-08-2025 12:30 PM
بقلم : محمد علي الزعبي
في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تظهر الجوامع العربية الكثيرة كخط الدفاع الأول للأمة وركيزة أساسية للحفاظ على وحدتها واستقرارها. هذه الجوامع تمثل نقاط الالتقاء بين الدول والشعوب العربية، وهي التي تمنح الأمة القدرة على التوافق حول القضايا المصيرية، بعيدًا عن الخلافات الثانوية التي قد تُضعف الصف العربي وتفتح المجال للتدخلات الخارجية.
لا بد أن نقر بأن هناك البعض من الاختلافات في وجهات النظر حيال بعض القضايا، لكن الجوامع حول الكثير منها تبقى السمة السائدة. إذا، فإن التركيز على الجوامع لمواجهة التحديات هو السبيل الأمثل للحفاظ على التوافق والوحدة. التركيز على الجوامع قادر على إزالة الكثير من الخلافات، بينما تجاهلها سيزيد من الانقسامات على حساب ما يجمع الأمة، وسيهدد أمنها واستقرارها ويزيد من التفكك الذي نعاني منه كأمة عربية، ويترك الباب مفتوحًا أمام مخاطر خارجية تستغل الفراغ والانقسام.
لقد أظهرت التجارب الحديثة قوة الجوامع العربية حين تُحترم. على سبيل المثال، موقف الجامعة العربية الموحد في قمة الخرطوم عام 2019 لدعم القضية الفلسطينية، شكل رافعة ضغط دبلوماسية على إسرائيل والمجتمع الدولي، وأكد قدرة العرب على التوافق حول قضيتهم المركزية. بالمقابل، غياب الجوامع العربية ظهر جليًا في الأزمة الليبية، حيث تباينت المواقف بين الدول العربية حول الشرعية السياسية، ما سمح لقوى إقليمية وغربية بالهيمنة على المشهد، وترك ليبيا في فوضى مسلحة.
وفي اليمن، كان التباين العربي في دعم الأطراف المتصارعة سببًا رئيسيًا لاستمرار الحرب، بينما لو تم التركيز على الجوامع المتعلقة بوقف إطلاق النار والحفاظ على المدنيين، لكان من الممكن تقليص الخسائر البشرية والتوصل إلى حل أكثر فاعلية. أما في الملف السوري، فإن التباينات العربية حول عملية الحل السياسي أعاقت قدرتنا على توحيد الموقف، وسمحت للقوى الأجنبية بأن ترسم موازين القوة على الأرض وفق مصالحها الخاصة.
إن التركيز على الجوامع يمنح العرب القدرة على التفاوض بحزم أمام القوى الكبرى، ويحول التباينات الصغيرة إلى فرص للحوار البنّاء، ويمنع الخارج من استغلال الخلافات لإضعاف الموقف العربي المشترك. أما الانغماس في التفاصيل المثيرة للانقسام، فهو يضاعف الأزمات ويهدد الأمن والاستقرار العربي، ويجعل أي خطة للتكامل أو العمل المشترك في خبر كان.
الحفاظ على الجوامع العربية ليس مجرد رفاهية فكرية، بل هو ضرورة وجودية تفرضها الظروف الحالية والمستقبلية. إن الأمة التي تترك جروحها مفتوحة، وتنسى نقاط الالتقاء، تسلّم نفسها للفرقة والتفكك. بينما الأمة التي تحمي جوامعها، وتعمل على توحيد صفوفها حولها، تكون قادرة على مواجهة كل التحديات، وتحويل الخلافات إلى قوة دافعة للبناء والتنمية.
الجوامع العربية هي خطوط الأمان التي تحفظ الأمة، وحصن يحميها من مخاطر المستقبل. التركيز عليها يفتح الأمل في التوافق العربي، بينما تجاهلها يزيد الانقسام، ويهدد وحدة الأمة ومصالحها العليا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-08-2025 12:30 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |