16-08-2025 08:55 AM
سرايا - منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وضعت الأسس لسياسة التجويع في غزة، قبل أن تتحول إلى مخطط عملي عام 2007 حين حددت "إسرائيل" الحد الأدنى من السعرات الحرارية اللازم لإبقاء سكان القطاع أحياء. هذا العنف البطيء بلغ ذروته القاتلة اليوم.
عام 2012، انتزعت منظمة ﭼيشا الإسرائيلية لحقوق الإنسان قرارًا قضائيًا أجبر الحكومة الإسرائيلية على الكشف عن وثائق تؤكد أنها حسبت احتياجات سكان غزة من السعرات بهدف خلق أزمة غذائية لا تصل حد المجاعة. وبحلول 2021، وجدت منظمة الصحة العالمية أن نحو 90% من أطفال غزة قبل سن المدرسة يحصلون على أقل من 75% من حاجتهم اليومية من الغذاء.
ورغم اتفاق 2005 بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية لضمان تدفق البضائع والأشخاص بين غزة والضفة، تحوّل إلى أداة لتشديد القيود. فقبل 2006، كان يدخل القطاع 400 شاحنة يوميًا، لكن "إسرائيل" قلّصت العدد إلى 107، وبحلول 2007 لم يكن يُسمح إلا بدخول 67 شاحنة يوميًا. ومع شحّ المواد، لجأ الفلسطينيون لحفر أنفاق لتهريب الغذاء والمواد الأساسية، فيما كشفت برقية دبلوماسية أمريكية مسربة – نشرتها الغارديان – عن مسؤولين إسرائيليين قالوا إن هدفهم هو “الإبقاء على اقتصاد غزة على شفا الانهيار”.
الاتفاق الذي بدا وكأنه يمنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا، رسخ في الواقع تبعيتهم القسرية، إذ أبقت "إسرائيل" على سيطرتها الكاملة على الحدود والأمن وحركة الأشخاص والبضائع، بينما أوكلت للسلطة الفلسطينية مهام محدودة مثل الصحة والتعليم. وكما وصف المفكر الفلسطيني الأمريكي الراحل إدوارد سعيد، كان أوسلو “أداة استسلام فلسطيني – فرساي فلسطينية”، حسبما لاحظت الكاتبة ساليما غُل في مقال منشور في العديد من المنصات التقدمية الأمريكية.
اليوم، وصل التجويع إلى مرحلة لم يعد التلاعب بالسرديات الإعلامية قادرًا على حجبها. فالصور القادمة من غزة، مثل صورة الطفل محمد زكريا المتوق إلى الغذاء، أحدثت صدمة حتى في بعض وسائل الإعلام الغربية التي لطالما أعادت إنتاج الرواية الإسرائيلية. لكن تصحيحات لاحقة في التغطية – بضغط من جماعات مؤيدة لـ "إسرائيل" – حاولت تقويض أثر هذه الصور عبر التشكيك في سياقها.
في التحليل القانوني، يؤكد خبراء مثل توم دانينباوم وأليكس دي وال أن “تجويع الحصار” ليس مجرد انتهاك إنساني بل جريمة حرب من نوع “تعذيب مجتمعي”، لأنه يقوّض قدرة الناس على العيش معًا ويهدم روابط المجتمع. ويذكّر دي وال بأن الحصار على غزة – الأطول في التاريخ الحديث – يمكن إنهاؤه بين ليلة وضحاها لو قررت "إسرائيل" ذلك، ما يثبت أنه قرار سياسي لا حتميّة فيه.
الدراسات تشير إلى أن آثار التجويع تمتد عبر الأجيال، حتى على المستوى الجيني، كما حدث في حصار حماة عام 1982. وفي غزة، حيث الحصار مستمر منذ نحو عقدين، ارتفعت معدلات التقزّم وسوء التغذية المزمن إلى مستويات خطيرة منذ أوائل الألفية.
التجويع في غزة ليس سياسة عشوائية، بل أداة لمعاقبة مجتمع بأسره وإخضاعه، وفق منطق “الموت الاجتماعي” الذي يهدف إلى تفكيك النسيج الإنساني وتحويل الناس إلى أفراد غارقين في الحاجة، بلا قدرة على الأمل أو الفعل.
استطلاعات إسرائيلية حديثة أظهرت أن 79% من اليهود الإسرائيليين غير منزعجين من تقارير المجاعة في غزة، فيما تجمع حشود لمشاهدة القصف من التلال المجاورة، في مشهد يوثّق قسوة المشهد واحتفالية العنف.
الكاتبة ساليما غُل ترى أن ما يجري في غزة اليوم هو “الصيغة النهائية” لاتفاق أوسلو، وأن وهم حلّ الدولتين قد مات مع موت أوسلو. وتؤكد أن وقف الإبادة والتجويع يتطلب قرارًا أمريكيًا حاسمًا، لكن واشنطن لن تتحرك لأن هذه السياسة تخدم موقعها الإمبراطوري، فيما يبقى الموقف العربي والإسلامي عاجزًا أو متواطئًا.
الرسالة التي يبعثها عقاب غزة إلى العالم، كما تخلص غُل، هي: إذا ناضلت من أجل الحرية، فستُجوَّع وتُمحى، ولن يهبّ أحد لنجدتك. ومع ذلك، يصرّ بعض الفلسطينيين على المقاومة والبقاء، لأن صرخات الجائعين لا تترك لهم خيارًا آخر.-(وكالات)
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-08-2025 08:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |