12-08-2025 08:44 AM
بقلم : الدكتور علي فواز العدوان
بينما تواصل الولايات المتحدة رصد الساحة الإيرانية عبر قنواتها الاستخباراتية التقليدية تتكشف في الخفاء تحولات أمنية غير مسبوقة، تقودها طهران وإسلام آباد بعيداً عن أعين واشنطن. هذه التحولات لا تتعلق فقط بإجراءات داخلية لوقف الاختراقات التي يُتهم "الموساد" بالوقوف خلفها، بل تمس توازنات اقتصادية عالمية، حيث تتابع فرنسا وألمانيا وبريطانيا التطورات بحذر شديد، لارتباط مصالحها الحيوية بالبرنامج النووي الإيراني.
المحور الأول التحرك الباكستاني من الحدود إلى غرف الاستخبارات
خلال الأشهر الماضية، جرى تفعيل قنوات اتصال سرية بين الأجهزة الأمنية الباكستانية ونظيراتها الإيرانية، بهدف إحباط عمليات تخريب واستهداف العلماء والمنشآت النووية.
هذه القنوات شملت
تبادل مباشر للمعلومات الاستخباراتية حول تحركات الشبكات المشتبه بارتباطها بالموساد.
تأمين مناطق الحدود المشتركة في إقليم بلوشستان، التي استُغلت سابقاً كنقاط عبور لعناصر مسلحة وأجهزة تجسس.
مراجعة أمنية للبنية النووية الإيرانية، من المفاعلات إلى مراكز الأبحاث، مع تعزيز الحماية الإلكترونية لمنع الاختراقات السيبرانية.
تدرك إسلام آباد أن هذا التعاون يمنحها أيضاً ورقة ضغط في صراعها التاريخي مع الهند، الحليف الأمني الأوثق لتل أبيب، ما يخلق تقاطع مصالح غير مسبوق مع طهران.
المحور الثاني أوروبا والبرنامج النووي الإيراني روابطه اقتصادية أعمق مما يعلن
رغم التوتر السياسي بين طهران والعواصم الأوروبية، فإن فرنسا وألمانيا وبريطانيا ظلت خلال العقود الماضية طرفاً اقتصادياً أساسياً في البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً خلال فترات الانفراج الدبلوماسي.
فرنسا عبر شركات مثل "أريفا" و"فراماتوم"، قدمت تكنولوجيا المفاعلات النووية وأنظمة التخصيب منذ سبعينيات القرن الماضي ولا تزال بعض اتفاقيات الصيانة والتحديث قائمة بصورة غير مباشرة.
ألمانيا لعبت دوراً محورياً في تصميم وتشغيل منشآت بحثية ومختبرات مرتبطة ببرنامج الطاقة النووية، وصدّرت مكونات دقيقة تُستخدم في المفاعلات.
بريطانيا عبر شركات خاصة وخبراء، ساهمت في بيع معدات قياس ومعايرة، إضافة إلى استثمارات في قطاع التعدين الإيراني، بما في ذلك عمليات استخراج اليورانيوم.
كما أن صفقات بيع الماء الثقيل واليورانيوم منخفض التخصيب كانت تتم، في فترات معينة، برعاية شركات أوروبية وبغطاء دبلوماسي، ما منح هذه الدول حصة مادية من عوائد البرنامج، وساهم في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع طهران.
المحور الثالث التحولات الأمنية وتأثيرها على أوروبا
التحالف الأمني الباكستاني-الإيراني، إذا ما استمر بسرية وفاعلية، قد يحد من قدرة أجهزة الاستخبارات الأوروبية على جمع معلومات مستقلة حول النشاط النووي الإيراني، وهو ما يقلق باريس وبرلين ولندن، ليس فقط لأسباب سياسية، بل لحماية استثماراتها المادية والتقنية.
أي تصعيد أمني داخلي منضبط يحمي المنشآت، يقلل من فرص التدخل الأوروبي بحجة "حماية الاتفاق النووي".
تقليص فرص الاختراق الإسرائيلي يقلل من تسرب المعلومات التي قد تصل عبر قنوات غير رسمية إلى الاستخبارات الامريكيه.
المحور الرابع واشنطن في موقف المتفرج
التحركات الإيرانية-الباكستانية الأخيرة تمت بسرية شديدة، إلى حد أن واشنطن لم ترصد تفاصيلها في الوقت الفعلي، ما يطرح أسئلة حول قدرة المخابرات الأمريكية على متابعة الملفات الحساسة في بيئة إقليمية معقدة.
غياب المعلومات قد يفرض على الولايات المتحدة إعادة صياغة استراتيجيتها الاستخباراتية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، خاصة مع تصاعد دور روسيا والصين في دعم هذه التحالفات.
التحولات الأمنية داخل إيران، المدعومة بتنسيق باكستاني، تمثل بداية مسار جديد يعيد تشكيل قواعد اللعبة الاستخباراتية في المنطقة. وفي حين تترقب أوروبا مصير استثماراتها في البرنامج النووي، تجد واشنطن نفسها أمام تحالفات ظلّية تتحرك بعيداً عن أنظارها، في مشهد يُنذر بتوازنات استراتيجية جديدة لا تعتمد على العلن بقدر ما تُبنى في غرف مغلقة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-08-2025 08:44 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |