بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
لا أتحدث عن التعديل الذي أجراه رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، ولا عن التعيينات والترفيعات الأخيرة في سلك القضاء، ولا عن الترشيحات لرئاسة مجلس النواب عند انعقاد دورته العادية الشهر المقبل، وإنما عن مبدأ التعديل بمعنى التقويم الذي يعتبر واحدا من أهم المؤشرات التي تدل على حيوية الدولة، ومنهجها الصحيح في التقييم والتقويم والتعديل حتى تحافظ على النسق المعتاد لمسيرتها، والجهود المبذولة لتحقيق مشاريعها الإصلاحية والتطويرية والتحديثية!


ليس بعيدا عن تلك الحيوية تراجع بعض الأحزاب الوطنية ملفاتها وفق معايير موضوعية تنسجم مع طبيعتها كهيئات مرتبطة بجمهور عريض من المنخرطين في نطاق تطوعي من حيث التكوين، نضالي من حيث الانتماء للعمل الحزبي البرامجي الذي يشكل فضاء قانونيا ومؤسسيا للتعبير عن الاتجاهات السياسية، والمشاركة في صنع القرار من خلال التمثيل في المجالس المنتخبة وفي مقدمتها مجلس النواب.

حين يشغل ممثلو الأحزاب واحدا وأربعين مقعدا من مقاعد مجلس النواب من خلال القائمة الوطنية وعدة مقاعد من خلال القوائم العامة فقد أصبحت شريكا في السلطة التي تمارس التشريع والرقابة على الأداء الحكومي، وهي في هذه الحالة معنية بالمراجعة اليومية لمواقفها من القضايا التي أصبحت جزءا من مهامها اليومية، وهي مضطرة للتعديل حيث لا بد من التعديل، وللتقويم حيث لا مفر من الحوكمة بما تعنيه من تشاركية ونزاهة ومساءلة، ومن غير ذلك يكون الحزب أشبه بناد أو تجمع يدور فيه الكلام حول كل شيء من دون أن يفعل أي شيء!
نحن إذن نتحدث عن منهج بلد يقوم على المراجعة الحثيثة لمسيرته ومواقفه والتحديات التي يواجهها، والاحتمالات التي قد يفرزها واقعه الإقليمي، وتعكسها مصالحه الدولية، بل نتحدث عن نهج قائد وضعنا جميعا أمام أسلوب خاص به في طرح أفكاره وتوجهاته من خلال أوراق نقاشية على سبيل المثال أو مبادرات تتجاوز الرتابة والمعتاد إلى نقلات نوعية بناء على خارطة طريق لها بداية ونهاية وفق خطط تنفيذية وجداول زمنية، وقائد المسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يعرف أن الأزمات المحيطة بالأردن غالبا ما تكون سببا في تأخر أو تعثر المسيرة بما قد يفرض تغيير الأولويات لجهة تعزيز قدرات وقوة الدولة على مواجهة المخاطر الماثلة أو المتوقعة، ولكنه يظل يدفع في اتجاه مواصلة المسيرة حتى لو بخطوات أقل، فالمهم هو عدم التوقف تحت أي ظرف كان.
عمليات التعديل والتقويم هي أكبر دليل على وجود حيوية ناجمة عن استراتيجيات قائمة كما هو الحال بالنسبة للتحديث السياسي والاقتصادي والإداري، ولكن لا بد من صونها من ناحية المعايير السليمة والالتزام الأخلاقي، بحيث لا تخضع للأمزجة أو العلاقات الشخصية، والأهم من ذلك ألا يحنث أحد بيمين أقسم عليه، أو مسؤولية أسندت إليه، أو واجب وطني يقوم به مخلصا بالقول والعمل!