حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,2 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 12888

المهيدات يكتب :حوكمة القطاع العام ودورها في الحد من الفساد

المهيدات يكتب :حوكمة القطاع العام ودورها في الحد من الفساد

المهيدات يكتب :حوكمة القطاع العام ودورها في الحد من الفساد

30-07-2025 08:33 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عمر المهيدات
تتشكل معالم الأمم وتتحدد مسارات تقدمها بمدى نجاعة قطاعها العام وشفافيته، إذ يمثل هذا القطاع عصب الخدمات وعمود الدولة التنموي، مما يجعل تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة فيه ليس خيارًا ترفيًا، بل ضرورة حتمية وأداة استراتيجية فائقة الأهمية في معركة استئصال الفساد وبناء "الأردن الذي نريد". هذا الأردن، الذي يتطلع إليه المواطن، هو دولة المؤسسات القوية القائمة على سيادة القانون، والشفافية المطلقة، والمساءلة الفاعلة، والعدالة الاجتماعية، حيث تكون الفرص متاحة للجميع بناءً على الكفاءة والنزاهة، بعيدًا عن المحسوبية والواسطة. ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية الطموحة دون تفعيل آليات الحوكمة في القطاع العام بشكل منهجي وعميق، لتحويله من بيئة قد تكون مهيأة لاستشراء الممارسات اللاواضحة إلى حصن منيع ضد الانحراف المالي والإداري.

تتجلى حوكمة القطاع العام في تطبيق منظومة متكاملة من المبادئ والمعايير الدولية، تشمل الشفافية التامة في جميع العمليات، بدءًا من إعداد الموازنات العامة ومرورًا بعمليات المناقصات والمشتريات الحكومية وانتهاءً بتوظيف الكوادر. وهذا يستلزم تفعيل حق الحصول على المعلومات كأساس للرقابة المجتمعية، واعتماد النشر الإلكتروني التفصيلي للبيانات المالية والإدارية. كما تقوم الحوكمة على المساءلة الصارمة، والتي تعني وجود آليات واضحة لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين أو المخالفين، سواء عبر الرقابة الداخلية الفاعلة، أو الرقابة البرلمانية المستندة إلى أدلة ومعلومات دقيقة، أو الرقابة القضائية المستقلة التي تضمن عدم إفلات أي مخالف من العقاب. ويأتي تعزيز سيادة القانون والمساواة أمامه كحجر زاوية، مما يستدعي تجويد التشريعات لسد الثغرات ومواكبة المستجدات، وتطبيقها بصرامة وحياد على الجميع دون استثناء أو تمييز، بما يتماشى مع التزامات الأردن الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) التي صادق عليها الأردن، والتي تضع معايير عالية في مجالات الوقاية والتجريم والتعاون الدولي واسترداد الأموال.

لترجمة هذه المبادئ إلى واقع ملموس، يتطلب الأمر خطة عمل وطنية شاملة ومفصلة تتضمن: أولًا، تعزيز الاستقلالية والكفاءة للمؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ويكون ذلك من خلال توفير الموارد الكافية وضمان استقلاليتها الحقيقية في التحقيق والإحالة، وحماية تقاريرها من أي تدخل أو تهميش. ثانيًا، إصلاح وتحديث نظم إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، عبر اعتماد مبادئ الجدارة والمنافسة الشريفة في التعيين والترقية، وتطوير أنظمة تقييم الأداء المرتبطة بالمكافآت والمساءلة، والاستثمار في بناء قدرات الموظفين وتوعيتهم بأخلاقيات الوظيفة العامة وأخطار الفساد. ثالثًا، توطين التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات وإدارة العمليات المالية والإدارية، عبر أنظمة متكاملة مثل أنظمة المشتريات الإلكترونية، ومنصات الخدمات الحكومية الإلكترونية الموحدة، حيث تقلل التفاعل البشري المباشر وتحد من فرص التلاعب، وتوفر سجلات رقمية قابلة للتتبع والمراجعة. رابعًا، تعزيز الرقابة المجتمعية والمشاركة المدنية، عبر تفعيل دور الإعلام المستقل، ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في الرقابة والدفاع عن المال العام، وإشراك المواطنين في رصد الانحرافات من خلال قنوات شكاوى آمنة وفعالة، بل وتطوير آليات مثل الموازنة التشاركية في بعض المشاريع المحلية. خامسًا، إجراء مراجعات وتقييمات دورية مستقلة لمؤشرات الحوكمة ومخاطر الفساد في المؤسسات العامة، بنشر نتائجها علنًا، وربط التمويل والتقييم بمدى التقدم في تطبيق خطط الإصلاح.

إن الطريق إلى "الأردن الذي نريد"، الأردن القوي القائم على العدل والنزاهة والكفاءة، يمر حتمًا عبر إصلاح جذري لقطاعه العام وفقًا لمبادئ الحوكمة الرشيدة. وإن هذا ليس مجرد شعار برّاق، بل خطة عمل وطنية تتطلب إرادة سياسية حقيقية غير قابلة للتراجع، وتضافرًا لكل جهود المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والمواطن الواعي. كما إن الاستثمار في حوكمة القطاع العام هو استثمار في مستقبل الأردن، في استقراره وازدهاره، وفي ثقة أبنائه بمؤسسات وطنهم. وهو السبيل الوحيد لتحويل شعار مكافحة الفساد من رد فعل جزئي إلى استراتيجية وقائية شاملة، تضمن أن تكون موارد الوطن ومقدراته وقفًا على التنمية ورفاهية المواطنين، بعيدًا عن أي استغلال أو إهدار، ونُدرك جيدًا أن تحقيق ذلك هو التحدي الأكبر، ولكنه أيضًا الأساس المتين لنهضة الأردن الحقيقية التي نطمح جميعًا لبنائها.








طباعة
  • المشاهدات: 12888
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-07-2025 08:33 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم