حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,31 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9719

أ.د غازي عبدالجيد الرقيبات يكتب: "تشخيص اقتصادي بلا تجميل وعلاج وطني بلا تسكين"

أ.د غازي عبدالجيد الرقيبات يكتب: "تشخيص اقتصادي بلا تجميل وعلاج وطني بلا تسكين"

أ.د غازي عبدالجيد الرقيبات يكتب: "تشخيص اقتصادي بلا تجميل وعلاج وطني بلا تسكين"

29-07-2025 03:08 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ.د غازي عبدالجيد الرقيبات
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، وتقلبات الاقتصاد العالمي، وتزايد هشاشة سلاسل التوريد، بات من المُلحّ أن تعيد الدول النامية – وعلى رأسها الأردن – صياغة مقاربتها التنموية، عبر تبني نموذج اقتصادي مستدام، متوازن، وقادر على الصمود، بيد أن الاستدامة لا تتحقق بالخطاب، بل بتفعيل الأدوات السيادية، وتحرير إمكانيات الاستثمار المحلي والأجنبي، وإرساء مناخ اقتصادي قائم على الشفافية، الكفاءة، والتنافسية الحقيقية.
واقعيا، يتّسم الاقتصاد الوطني بتركيبة بنيوية هشّة، يتغلب عليها الطابع الريعي غير المباشر، وتغيب عنها قاعدة إنتاجية متماسكة، إذ لا يزال الاقتصاد معتمدًا على المساعدات والمنح الخارجية، إضافة إلى تضخم القطاع العام، واتساع فجوة العجز الجاري، وتدنّي الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، وقد أشار صندوق النقد الدولي في تقريره الخاص بالمراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الممتد لعام 2023، إلى أن "الاقتصاد الأردني يعتمد بشكل مفرط على التحويلات والمساعدات، في حين أن مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي ما زالت محدودة، الأمر الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، من ناحية اخرى فالحديث عن جذب الاستثمار – سواء المحلي أو الأجنبي – لا يمكن أن ينفصل عن البيئة المؤسسية، فالمستثمر لا يبحث فقط عن الحوافز الضريبية أو التسهيلات الإجرائية، بل عن منظومة متكاملة من الاستقرار التشريعي، الوضوح في السياسات الاقتصادية، والحوكمة الرشيدة، وقد أكد تقرير البنك الدولي لممارسة أنشطة الأعمال 2020 أن "الأردن يواجه تحديات ملحوظة على مستوى بدء الأعمال وتسجيل الملكية، نتيجة تعقيد الإجراءات وتعدد الجهات المعنية، وهو ما يضعف من جاذبية مناخ الاستثمار مقارنة بدول الجوار،وكما ورد في البيان الختامي للمادة الرابعة الصادر عن صندوق النقد الدولي عام 2023 فان "تعزيز الحوكمة وتحسين كفاءة المؤسسات العامة في الأردن من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، ويزيد من فعالية السياسة المالية، إن بناء اقتصاد وطني مستدام يتطلب تدخلًا متعدد الأبعاد، يرتكز على إصلاح هيكلي للمنظومة الاستثمارية، ويُعد تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتوحيد المرجعيات، وتفعيل النافذة الاستثمارية الواحدة، خطوات ضرورية، لكنها غير كافية ما لم تُرفَق بإصلاح تشريعي جذري يعيد صياغة قانون الاستثمار وفقًا لمبادئ الاقتصاد الحر المنضبط، ويمنح المستثمر الأمان القانوني والحوافز المرتبطة بالأداء لا الامتيازات الريعية، كما ينبغي الانتقال من الحوافز الكمية (الإعفاءات الضريبية الواسعة) إلى الحوافز النوعية (مرتبطة بعدد الوظائف المُنشأة، أو بنقل التكنولوجيا، أو بالتصدير)، بما يضمن مردودية حقيقية للمجتمع والدولة على حد سواء، اما رأس المال المحلي، فلا يزال رأس المال الوطني مترددًا في إعادة الاستثمار داخل السوق المحلي، ما يعكس فقدانًا جزئيًا للثقة، ومن غير المنطقي أن نطالب المستثمر الأجنبي بالمجازفة، بينما المستثمر الأردني نفسه يعاني من عبء الإجراءات وتقلّب السياسات، وهنا، تصبح أدوات التمويل البديلة – مثل صناديق رأس المال الجريء والصكوك الإسلامية والسندات الخضراء – ضرورة لا ترفًا، والعامل الاكثر اهمية فهو مأسسة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لقد أثبتت التجارب العالمية أن الشراكة المؤسسية بين القطاعين العام والخاص تعزّز الكفاءة التشغيلية، وتخفف العبء المالي عن كاهل الدولة، وتسرّع تنفيذ المشاريع الرأسمالية الكبرى، غير أن هذه الشراكة لن تنجح ما لم تؤسَّس على قواعد الشفافية وتوزيع المخاطر بإنصاف.
ولحسن الطالع، يمتلك الأردن إمكانات كبيرة في مجالات التكنولوجيا الزراعية، والصناعات الدوائية، والطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، إلا أن هذه القطاعات لا تزال دون استغلال كافٍ، وقد أشار البنك الدولي في تقريره حول التنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2023 إلى أن "الأردن يمتلك ميزة تنافسية في الطاقة الشمسية وتكنولوجيا المعلومات، غير أن غياب البنية التمكينية وضعف الحوافز يحولان دون تحقيق الأثر الاقتصادي المرجو، وبالتوازي، تظهر الحاجة إلى معالجة اختلالات سوق العمل، حيث تشير أحدث بيانات البنك الدولي (2024) إلى أن "معدل البطالة في الأردن ما زال من بين الأعلى في المنطقة، خاصة بين فئتي الشباب والنساء، وهو ما يتطلب توجيه الاستثمارات نحو القطاعات كثيفة التشغيل.
إن بناء اقتصاد وطني مستدام ليس مشروعًا ظرفيًا، بل رؤية وطنية طويلة الأمد تتطلب شجاعة في القرار الاقتصادي، وجرأة في المراجعة، وشراكة مجتمعية حقيقية، فاقتصاد يقوم على الاستهلاك والاستيراد والمساعدات لا يمكن أن يكون رافعة للسيادة، ولا مصدرًا للكرامة الوطنية، إن مفتاح التحول "كما في التوجيهات الملكية للحكومات المتتالية"، يكمن في توجيه دفة السياسات الاقتصادية نحو الإنتاج لا الإنفاق، نحو الثقة لا المركزية المفرطة، ونحو تحفيز الإنسان الأردني وتمكينه ليكون المحرك الأول لاقتصاد بلاده، لا مجرد متلقٍ لمخرجاتها.

أ.د غازي عبدالجيد الرقيبات
كلية الاعمال/ جامعة ال البيت











طباعة
  • المشاهدات: 9719
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-07-2025 03:08 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم