بقلم : نضال أنور المجالي
في خطوة جريئة ومدروسة، أقرَّ مجلس الوزراء الأردني تعديلاً على نظام لوحات المركبات. هذا القرار يتجاوز مجرد التغيير الشكلي ليلامس جوهر الحوكمة الرشيدة ودعم ركائز المجتمع. التعديل، الذي دخل حيز التنفيذ، لا يغير لوحات المركبات الخاصة أو العمومية أو الشحن، بل يركز على المركبات الحكومية والدبلوماسية والإدخال المؤقت، إضافة إلى توجيه عائدات ثمينة لدعم التعليم العالي.
وضوح لا لبس فيه: نهاية لغموض المركبات الحكومية
لطالما شكلت لوحات المركبات الحكومية تحديًا في التمييز والمساءلة. لكن مع التعديل الجديد، أصبح الوضوح هو سيد الموقف. استُبدلت الأرقام برموز حروفية واضحة، حيث يحكي كل حرف قصة الجهة التي تتبع لها المركبة:
* PM: لرئيس الوزراء والوزراء، تعكس أعلى مستويات السلطة التنفيذية.
* SN: لمجلس الأعيان، رمزًا للتشريع والحكمة.
* PR: لمجلس النواب، قلب الديمقراطية والتمثيل الشعبي.
* JC: للمجلس القضائي، عنوان العدالة وسيادة القانون.
* GV: للجهات الحكومية العامة، غطاء شامل لجميع المؤسسات الرسمية.
* AQ: لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية، إشارة إلى بوابة الأردن الاقتصادية على البحر الأحمر.
* CD: للهيئات الدبلوماسية، احترامًا للبروتوكولات الدولية.
* TM: للإدخال المؤقت، لتسهيل الإجراءات المؤقتة.
هذا التخصيص الدقيق ليس مجرد تفصيل إداري، بل هو أداة قوية لتعزيز الرقابة والتتبع على المركبات الحكومية. عندما تكون هوية المركبة واضحة للعيان، يصبح من الصعب استخدامها في غير الغرض المخصص لها، مما يعزز الشفافية ويقلل من فرص التجاوزات. هذا النظام، المعمول به في عديد من الدول المتقدمة، يؤكد التزام الأردن بتبني الممارسات الفضلى عالميًا في الإدارة الحكومية.
"أرقام مميزة" لدعم جيل المستقبل: استثمار في العقول
ولعل الجانب الأكثر إلهامًا في هذا القرار هو التوجيه الحكيم لعائدات بيع الأرقام المميزة للوحات المركبات. فمن الآن فصاعدًا، ستصب جميع عوائد مزادات الأرقام المميزة، بغض النظر عن ترميزها، في صندوق دعم الطالب الجامعي.
هذه الخطوة ليست مجرد إضافة مالية، بل هي تأكيد على أولوية التعليم كركيزة للتنمية الوطنية. تأتي هذه الإضافة لتعزز الدعم الحكومي القائم أصلاً، والذي شهد زيادة بنسبة 50% في موازنة العام الجاري لتصل إلى 30 مليون دينار. إن تخصيص هذه العوائد الإضافية سيتيح توسيع شريحة الطلبة الجامعيين المستفيدين من الصندوق، مما يعني فتح أبواب التعليم العالي أمام المزيد من الشباب الطموح، وتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الأسر الأردنية.
هذا القرار يحمل رسالة واضحة: إن الاستثمار في العقول الشابة هو استثمار في مستقبل الأردن وازدهاره. إنه يجسد رؤية تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم، لضمان أن يكون الإبداع والطموح هما المعيار، وليس القدرة المادية.
رؤية متكاملة لمستقبل أفضل
باختصار، قرار تعديل نظام لوحات المركبات هو أكثر من مجرد تغيير لوجستي. إنه يعكس رؤية حكومية متكاملة تهدف إلى:
* تعزيز الحوكمة الرشيدة والمساءلة في القطاع العام.
* دعم ركيزة التعليم وتمكين الشباب من تحقيق طموحاتهم الأكاديمية.
* مواكبة المعايير العالمية في الإدارة والشفافية.
إن هذه الخطوات، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، تحمل في طياتها تأثيرات عميقة وإيجابية على المدى الطويل، مؤكدةً على أن الأردن يسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إشراقًا وشفافية وعدلاً.
حفظ الله الأردن والهاشمين.
الكاتب.نضال أنور المجالي، المتقاعد العسكري.