24-07-2025 08:45 AM
بقلم : حاتم القرعان
في بلادنا لا يختلف اثنان على أن الوجع لم يعد مجرد إحساس جسدي عابر بل صار شعوراً دائماً يرافق الفقير حين ينظر إلى فاتورة الصيدلية التي تضاهي أحياناً راتبه الشهري بل وتفوقه أحياناً أخرى صار المرض عقوبة لا علاج لها وصار الدواء في كثير من البيوت أمنية مؤجلة أو عبئاً يُقاس قبل صرفه بالحاجة لا بالوصفة الطبية صار المريض يتردد في الذهاب إلى الطبيب لأنه يعلم مسبقاً أن وصفة العلاج ستكون ثقيلة على جيبه وأن صيدلياً ما سيقف أمامه ليس بوصفه مسعفاً بل بائعاً يعرض خياراته حسب القدرة الشرائية لا حسب حجم الألم
في المقابل حين تنظر إلى ما يحصل في دول الجوار وتحديداً في سوريا ترى العجب رغم سنوات الحرب والانهيار الاقتصادي والعقوبات الدولية تجد أن الدواء ما زال متاحاً للجميع بأسعار تبدو خيالية بمقاييس السوق الأردني فالمضاد الحيوي هناك لا يتجاوز الدينار وخافض الحرارة بربع هذا المبلغ وكبسولة الضغط أو القلب أو السكر يمكن لأي مواطن بسيط أن يحصل عليها دون أن يُضطر للاقتراض أو للتخلي عن وجبة غذاء أو عن أجرة المواصلات هذا الواقع يجعلنا نتساءل بألم كيف لبلد أنهكته الحرب أن يبقي دواءه متاحاً للناس في حين أن بلدنا المستقر نسبياً يغرق مواطنيه في دوامة الأسعار الجنونية
ولا يقف الأمر عند الحدود الجغرافية فالسخرية المُرة أن بعض الأدوية التي تُنتج محلياً في الأردن تُباع بأسعار أقل بكثير في الخارج بينما المواطن الأردني يُجبر على شرائها بأضعاف ثمنها الأصلي تحت ذريعة التكاليف والتراخيص والسوق المفتوح وحجج أخرى لا تسمن ولا تغني من شفاء
شركات الأدوية المحلية والعالمية العاملة في الأردن باتت تتعامل مع المرضى كأنهم زبائن لا كأرواح تتألم تبحث عن طوق نجاة فتسعّر دواءها وفق أرباحها لا وفق حاجات الناس وتهيمن على السوق في ظل غياب المنافسة وضعف الرقابة وتساهل واضح في ضبط الأسعار وكأن الجهات المعنية قد سلمت رقاب الناس إلى ميزانيات الشركات وبيانات أرباحها الفصلية
أما المواطن فلم يعد أمامه سوى الصبر على الألم أو التداوي بما تيسر من الأعشاب والوصفات الشعبية أو اللجوء إلى التهريب والتسوق من الخارج بحثاً عن أدوية بأسعار أقل حتى لو كان ذلك مخالفاً للقانون لأن القانون لم يحمه حين احتاج حماية ولم يدافع عنه حين احتاج دواءً لحماية قلبه أو كليته أو معدته
المفارقة المؤلمة أن دواءً واحداً قد يُحدث فرقاً بين الحياة والموت بين التعافي والانهيار بين القدرة على العمل واليأس من الاستمرار ولكن في الأردن ذلك الدواء صار امتيازاً لمن يملك المال لا حقاً لمن يحتاجه
وإن بقي الحال على ما هو عليه فإننا لا نمضي نحو نظام صحي عادل بل نحو سوق استهلاكي قاسٍ لا يعترف بالضعفاء ولا ينصف المحتاجين والمطلوب اليوم ليس مجرد تعديل في التسعير بل ثورة في مفهوم العدالة الصحية يجب أن نعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والدواء لا كسلعة بل كحق لا يجوز المساس به يجب أن ننتزع الملف الصحي من يد التجار ونضعه في يد من يرون في المريض إنساناً لا رقماً في معادلة الربح والخسارة
الدواء يجب أن يكون خارج سوق الجشع وخارج مضاربات السوق يجب أن يُحمى كما تُحمى الأرواح لأن الروح لا تقدر بثمن وكرامة المريض لا يجوز أن تُباع على رف صيدلية تحت مسمى التسعيرة الرسمية أو السعر العالمي أو موافقة المؤسسة العامة للغذاء والدواء
لقد تعب الناس من دفع فواتير المرض مرتين مرة بأجسادهم ومرة بجيوبهم والمطلوب وقفة ضمير قبل فوات الأوان فصحة المواطن ليست مجالاً للتربح وصيدليات الوطن يجب أن تكون محطات نجاة لا متاجر ترهق العابرين بالأسعار
صوت المريض خافت لكنه موجود والوجع لا يكذب ولا يزيّف الواقع وقد آن الأوان أن نسمع له لا أن نتركه يذوي بين كفتي الألم والعجز لأن كل دواء لا يُتاح لمن يحتاجه هو إعلان غير معلن عن انسحاب الدولة من مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية تجاه شعبها.
بقلم : حاتم القرعان
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-07-2025 08:45 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |