21-07-2025 09:33 AM
بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
ذلك هو حال سورية منذ عقود، انقلابات وصراعات وسجون وضحايا ومناف وانقسامات، ولكن هذه أول مرة يخرج فيها النظام بذاته إلى المنفى الروسي ليتبدل المشهد على مستوى التقسيمات الجهوية والاجتماعية الداخلية، وعلى مستوى التوازنات الإقليمية والدولية، فتتصاعد حدة العدوان الإسرائيلي عليها، وتنفتح شهية تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ أو تأثير مباشر على تفاعلات الأحداث بما من شأنه تمزيق نسيجها الاجتماعي، ووحدة شعبها وترابها الوطني ما لم يتم التفاهم بين القوى العظمى وخاصة روسيا وأميركا على الشكل النهائي للحالة الراهنة من منظور المصالح المتبادلة، وما لم يتصالح السوريون فيما بينهم، وما لم تدفع الدول العربية في اتجاه الحفاظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها وعودتها إلى الحاضنة العربية كدولة مشاركة ولو في الحد الأدنى من العمل العربي المشترك!
وقف الاعتداءات الإسرائيلية الذي تم يوم السبت الماضي تحت عنوان (وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل)، ووقف القتال بين العشائر العربية والدروز في السويداء تطور مهم إذا تمت المحافظة عليه لمنح النظام الجديد فرصة تسوية الأوضاع الناجمة عن الصفة الطائفية التي حكمت سورية لفترة طويلة من الزمن وذلك من أجل بناء الدولة المدنية، واستعادة الوطنية السورية أساسا للعلاقة الثابتة بين الدولة والشعب، بعيدا عن التمايز أو الامتياز الطائفي أو المذهبي.
ما جرى في السويداء دليل على كثير من المثالب والندوب التي شوهت وجه سورية على مراحل مختلفة، أما الاقتتال الذي وقع مؤخرا بين العشائر العربية والدروز فليس حديثا، حيث النزاعات حول الأراضي والمراعي قائمة منذ عهد قديم، وهناك الخلافات التي يمكن أن تحدث بين شخصين لأي سبب فتنحاز كل جماعة إلى ابنها ويتسع نطاق الخلاف حد تبادل إطلاق النار، ولم يكن يضبط هذا الواقع سوى بعض العقلاء ووجود سلطة صارمة لأجهزة أمن الدولة، ونظامها العام.
لا يمكن البناء على تطورات الساعات الماضية للشعور بالارتياح تجاه مستقبل سورية القريب أو البعيد، ولكننا في الأردن– ونحن أقرب الناس للشعب السوري الشقيق– نتأثر كثيرا بالحالة السورية منذ خمسينيات القرن الماضي، ولا نكاد نتذكر استقرارا طويلا للعلاقات الثنائية بيننا بسبب محاولات التدخل في شؤوننا الداخلية والمزايدات الفارغة علينا، ورغم ذلك كله فإن علاقة الأردنيين بالسوريين ظلت عروبية متينة وأصيلة، والأدلة على ذلك كثيرة، أقربها ذلك اللجوء بمئات الألوف من السوريين الأشقاء إلى الأردن نتقاسم معهم رغيف الخبز وشربة الماء.
وفي مشهد آخر وقف جيشنا العربي ووقفت أجهزتنا الأمنية وما تزال في مواجهة محاولات الاختراق المشبوهة لتهريب السلاح والمخدرات، وفي الحقيقة لم يتغير شيء بالنسبة لدواعي حماية حدودنا وأجوائنا من الجماعات الإرهابية، ولا بالنسبة لأملنا في استقرار سورية، وقيام نظام جديد قادر على أن يجمع السوريين من حوله لوضع حد لمأساتهم وإعادة بناء بلدهم، وحفظ كرامتهم وتحقيق طموحاتهم، وضمان مستقبل أجيالهم.
لقد دافع جلالة الملك عبدالله الثاني طوال تلك السنوات التي عاشت سورية ويلاتها عن حق السوريين في الأمن والأمان والاستقرار، وفي سبيل ذلك كان أول من أقام اتصالا من خلال وزير الخارجية مع رئيسها الجديد، لتقديم كل ما باستطاعة الأردن من مساعدات من أجل إقامة سورية الجديدة التي قلبنا عليها، ولعل مساهمتنا في إطفاء حرائق غابات سورية تكون فأل خير لإطفاء جميع حرائقها، لنشم معا رائحة الياسمين الدمشقي.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-07-2025 09:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |