21-07-2025 09:33 AM
بقلم : نادية سعدالدين
استدعاء قيادة السلطة الفلسطينية لمطلب إحياء المجلس الوطني إثر نسيان دام طويلاً، عبر إصدار قرار إجراء انتخاباته قبل نهاية العام الجاري، يأتي في ظل الانقسام الفلسطيني الممتد منذ عام 2007، وحرب الإبادة الصهيونية المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، ومساعي تهويد القدس المحتلة و»ضم» الضفة الغربية، فجاء القرار منقوصاً ومنفرداً لا يستند إلى التوافق الوطني المنشود.
لا شك أن تجديد مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، وفي مقدمتها المجلس الوطني، عن طريق انتخابات ديمقراطية شاملة، يشكل مطلباً حيوياً بالنسبة للقوى والفصائل الفلسطينية، وتم إدراجه في إطار جلسات حوار المصالحة المتواترة، من أجل إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لدورها كمرجعية وطنية شاملة في مواجهة المشروع الصهيوني العنصري التوسعي، إلا أن تلك الجهود الوطنية لم تسفر عن تقدم ملموس.
تُدرك السلطة الفلسطينية جيداً حجم التحديات الوازنة المُحيطة بقرارٍ لم يستند إلى حوار وطني شامل، ومقيد بالعنصر الصهيوني الذي يمتلك قدرة تعطيل العملية الانتخابية الفلسطينية وإفشالها، لاسيما في القدس المحتلة، إزاء استفادته الكبرى من استمرار الانقسام والركون إلى واقع القطيعة بين الضفة وغزة لمتابعة مشروعه الاستيطاني الاستعماري في فلسطين المحتلة، وتدمير ركائز إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة، أو هكذا ما يُخطط له.
إن إصدار قرار بإجراء انتخابات مجلس وطني جديد قبل إتمام المصالحة الفلسطينية من شأنه أن يُكرس الانقسام. إذ يشكل تباين البرنامج السياسي بين حركتي «فتح» و»حماس» حجر عثرة عند الإيغال بعيداً في مطلب إعادة تفعيل منظمة التحرير، لانضواء حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وقوى اجتماعية وسياسية عريضة غير ممثلة في أطرها، لأن بحث هذا الملف بعد انتهاء حرب الإبادة على غزة سيتم بأوزان مختلفة، نظير عدم استبعاد مسعى «حماس» لمراكمة إنجازها العسكري بحصاد سياسي يتمثل في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، غير أن السلطة الفلسطينية، ومعها «فتح»، ستسعى بصورة حثيثة وبكل ما أوتيت من قوة لحرمان «حماس» من تحقيق هذا الإنجاز.
وفي ظل غياب الأرضية السياسية المشتركة والافتقاد للثقة المتبادلة؛ لم تسهم وثيقة «المبادئ والسياسات العامة» الرسمية «لحماس»، التي صدرت في الأول من مايو 2017 بالدوحة، برغم غلبة اللغة السياسية الأقل تشدداً على خطابها العقيدي الأيديولوجي، في تقريب حدود المسافة البعيدة بين السلطة ومعها «فتح» وبين «حماس»، إزاء وجود خطابين متناظرين لم يُقيض لهما التلاقي حتى الآن، أحدهما يدعو إلى التسوية السلمية بإخضاع القضية الفلسطينية لموازين القوى فقط، مقابل آخر يتبنى خط المقاومة خياراً إستراتيجياً لمواجهة الاحتلال ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
أما وضع الشروط المُسبقة للعضوية في المجلس الوطني، بالالتزام الكامل ببرنامج منظمة التحرير وبالتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية، فإنه يؤدي إلى إقصاء طيف واسع من مكونات الشعب الفلسطيني، ويصطدم بموقف «حماس» الذي أكدت عليه سابقاً «باحترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير مع سلطات الاحتلال، إذا التزمت الأخيرة بها، ولكن بدون الاعتراف بالكيان الصهيوني». وبذلك ستشكل خطوة السلطة إعادة إنتاج للأزمة العميقة بدلاً من معالجتها.
لقد أدى سعي السلطة الفلسطينية الدؤوب منذ تأسيسها، عام 1994، للاستئثار بعملية صنع القرار السياسي إلى تدهور مستمر لمؤسسات منظمة التحرير، وتطويق مهام المجلس الوطني وإقصاء دوره، بوصفه يمثل السلطة العليا للشعب الفلسطيني حيثما يتواجد ويضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها، ومن ثم جاءت خطوة إلغاء بنود من الميثاق الوطني الفلسطيني، الصادر عن المجلس، والتي تتحدث عن «فلسطين التاريخية» و»الكفاح المسلح» و»الصهيونية» كحركة عنصرية توسعية، خلال جلسة عقدها المجلس الوطني سنة 1996 في غزة، تلبية لمطالب أميركية صهيونية، غير أن ذلك كله كان يُجابه بتصعيد عدوان الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
إن الإصلاح الشامل يتطلب من السلطة الفلسطينية؛ الدعوة لحوار وطني جامع وإنهاء الانقسام، والدفع بشكل حقيقي نحو تقرير المصير، بما يشمل إحياء منظمة التحرير المُهمشة، وضمان تمثيلها للكل الفلسطيني، ووضع إستراتيجية وطنية موحدة لمجابهة محاولات الاحتلال المستمرة لمحو الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وأجزاء واسعة من قطاع غزة، وبدون ذلك؛ سيكون للحرب آثارٌ كبيرة متوقعة على ديناميكيات التمثيل السياسي الفلسطيني.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-07-2025 09:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |