حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,21 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 28660

د. باسمة شقيرات تكتب: تعب جماعي في زمن متسارع: لماذا يبدو الجميع منهكًا؟

د. باسمة شقيرات تكتب: تعب جماعي في زمن متسارع: لماذا يبدو الجميع منهكًا؟

د. باسمة شقيرات تكتب: تعب جماعي في زمن متسارع: لماذا يبدو الجميع منهكًا؟

20-07-2025 08:56 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. باسمة شقيرات
في زحمة الحياة اليومية، صار التعب سمة مشتركة بين الناس. نظرات منهكة، أجساد منهارة، وقلوب مثقلة، حتى أنك تكاد لا تصادف أحدًا إلا ويبدأ حديثه بجملة: “تعبان… ما بعرف ليش!”

لكن لماذا أصبحنا جميعًا متعبين؟ وهل التعب فقط جسدي… أم أن هناك ما هو أعمق، وأشد خفاء؟

العالم يدور بسرعة، ونحن نركض خلفه دون توقف. ساعات العمل الطويلة، متطلبات الأسرة، صراعات البقاء، وغلاء المعيشة… كلها تنهك الجسد والروح. حتى أيام الراحة، لم تعد كذلك. صارت مجرّد استراحة قلق، أو مهمة إضافية مؤجلة.

ثم جاءت التكنولوجيا التي وعدتنا براحة أكبر، فإذا بها تسلبنا ما تبقى من السكينة. تسلّلت إلى تفاصيل يومنا، إلى لحظاتنا الخاصة، إلى غرف نومنا وعقولنا. لم نعد نعرف كيف نصمت، كيف نرتاح، أو كيف نكون لوحدنا. أصبح الهاتف امتدادًا لأيدينا، وأصبحت الإشعارات طقسًا يوميًا يسرق تركيزنا وسلامنا الداخلي.

كأننا جميعًا نعيش في حالة طوارئ صامتة. قلق من المستقبل، من الفقد، من الضعف، من الأمراض، من الفقر، ومن الحروب التي لا تنتهي. حتى الضحكة صارت مرهونة بظرف، والصداقة مؤقتة، والنجاح مشروط بالمزيد والمزيد.

ومع جائحة كورونا، دخل العالم في نفق نفسي وصحي عميق، وخرج منه مثقلًا بالأسئلة. ومن بين تلك التساؤلات التي تتردد همسًا في العيادات، وصراحةً في البيوت: هل للمطاعيم علاقة بهذا الخمول العام؟

صحيح أن الدراسات لم تثبت بشكل قاطع وجود رابط مباشر، لكن هناك شهادات متكررة من أناس شعروا بتغير في طاقتهم، في ذاكرتهم، في مزاجهم، في نظرتهم للحياة… بعد تلقيهم المطاعيم. ورغم أن العلم لا يُبنى على الانطباعات، إلا أن الشعور الجمعي له وزنه، وله تأثيره. والأكيد أن الجائحة، بما حملته من رعب وعزلة وانكسارات، تركت أثرًا لا يُمحى في أعماقنا.

لم يعد التعب فقط تعبًا جسديًا. صار تعبًا من التظاهر، من المجاملة، من العطاء دون مقابل، من العلاقات الهشة، من الصمت الثقيل، من الأخبار السيئة، ومن المقارنة الدائمة مع حياة الآخرين على الشاشات.

كل شيء أصبح مرهقًا: الحديث، الصمت، الحب، الحلم… وحتى البكاء.

وفي خضم هذا كله، ربما نسينا أن نسأل عن السبب الحقيقي الذي تغيّر في حياتنا، دون أن ننتبه… غابت البركة.

نعم، غابت البركة من الوقت، فصرنا نلهث بلا إنجاز.

وغابت البركة من المال، فازدادت الأرقام وقلّ الرضا.

وغابت البركة من الصحة، فصارت الأجساد تتألم بلا سبب واضح، والنفوس تنهار دون ضربة قاضية.

البركة ليست شيئًا ماديًا، بل طمأنينة خفية تملأ الفراغات، وتمنح القليل معنى، وتُشعرنا بأننا بخير حتى حين لا نملك كل شيء. ومع غيابها، تغيّرت ملامح حياتنا دون أن ندري، وتسلل التعب إلى الأرواح قبل الأجساد.

فهل من خلاص؟

نعم، لكنه يبدأ من الداخل.

من وقفة مع النفس، من تقليل الضجيج، من العودة إلى البساطة، إلى الصدق، إلى الامتنان، إلى الراحة التي لا تحتاج تبريرًا. أن نعيش بلا قناع، ونحب بلا خوف، ونرتاح بلا ذنب. أن نبحث عن البركة لا الكثرة… وعن السلام لا الصخب… وعن الطمأنينة لا الواجهة.

ربما لا نستطيع تغيير كل ما حولنا، لكننا نستطيع أن نحمي ما تبقى فينا. ففي زمن يبدو فيه الجميع متعبًا… فإن أكبر إنجاز قد نحققه، أن نكون بخير.

الراي











طباعة
  • المشاهدات: 28660
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
20-07-2025 08:56 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم