19-07-2025 01:15 PM
بقلم : زياد فرحان المجالي
ما يجري اليوم في غزة ليس بعيدًا عمّا جرى في فلسطين عام 1948. هناك في لحظة السقوط، وهنا في لحظة الصمود. في كلتا الحالتين، كان الحياد العربي – حين يتحوّل إلى سياسة – أشدّ فتكًا من العدو نفسه. ومن بين تلك اللحظات التاريخية الشائكة، تعود إلى الواجهة قضية حياد الدروز عام النكبة، وعلاقتها بما نشهده اليوم من اصطفافات عربية متباينة تجاه حرب غزة.
بين أوراق بن غوريون وغبار الخيانة
في مذكراته، كتب ديفيد بن غوريون:
> "أرسلنا مبعوثين إلى زعماء الدروز، وعلى رأسهم الشيخ أمين طريف، واتفقنا على ميثاق شرف بعدم القتال ضدنا. وقد تم ذلك في أجواء ودية."
ليست هذه شهادة بريئة، بل اعتراف بعملية اختراق سياسي ناعم قام بها قادة المشروع الصهيوني لتفكيك البيئة العربية من الداخل، مستخدمين بوابة الطائفة والمصلحة والنجاة الذاتية. بعض الزعامات الدرزية، للأسف، اختارت الحياد في لحظة لا تحتمل الصمت، وكان الثمن باهظًا على أهل عكا وحيفا والناصرة وصفد.
الدروز… لا سيف واحد ولا خنجر واحد
لكن الحقيقة لا تتجزأ: لم يكن كل الدروز على هذا النهج.
في الطرف الآخر، وقف اسم سلطان باشا الأطرش، رمز الثورة السورية الكبرى، كجبل عربي في وجه الصهيونية والاستعمار الفرنسي معًا. ولم تُسجّل له خطوة واحدة تجاه تطبيع أو حياد أو مساومة على فلسطين.
وهنا يُسجَّل للتاريخ:
أن هناك دروزًا رفضوا التجنيد في جيش الاحتلال، وسُجنوا.
وأن قراهم في الجليل والكَرمل دفعت ثمن مواقفها.
وأن الانقسام داخل الطائفة الدرزية كان نتيجة اختراق سياسي ممنهج، لا خيانة جماعية كما يحاول البعض الترويج.
غزة… والعودة إلى سؤال "من معنا؟"
اليوم، يعيد مشهد غزة طرح نفس السؤال الوجودي:
من معنا… ومن اختار الحياد القاتل؟
غزة، بجراحها، تُحرّك الضمائر وتُعرّي السياسات. وفي هذه اللحظة، نشهد:
دولًا عربية طبّعت وسكتت أو برّرت القتل.
قوى عربية صمتت وادّعت الحياد، تمامًا كما فعل بعض زعماء 1948.
وفي المقابل، شعوب عربية من كل الطوائف، بما فيها دروز سوريا ولبنان وفلسطين، خرجت تهتف لغزة، تُعيد توازن الشرف أمام خيانة الساسة.
الحياد خيانة… حين يكون على حساب الضحية
في معركة وجودية، لا وجود لحياد بريء.
في مواجهة القصف والمجازر، لا يمكن للسكوت أن يكون “حكمة”، ولا يمكن للخذلان أن يُغلف برداء "التعقّل".
وبينما تقاتل غزة نيابة عن أمّة، يعيد التاريخ نفسه على صورة سؤالٍ أخلاقي خطير:
> هل نُكرّر ما جرى في 1948 تحت لافتة "الواقعية السياسية"؟
أم نتعلّم الدرس، ونختار الوقوف مع الضحية، لا مع قاتلها؟
خاتمة: إنصاف لا تشهير
ما نكتبه اليوم، ليس لتشويه طائفة ولا تجريح أحد. بل لنُميّز:
بين من خان… باسم الزعامة.
ومن أخلص… بصمته ومقاومته ودمه.
غزة اليوم لا تُقاوم وحدها، كما لم يسقط الفلسطيني وحده عام 1948.
لكنّ من يختار الصمت مجددًا، سيكون شاهد زور جديد في كتاب نكبتنا المتواصلة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-07-2025 01:15 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |