حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,18 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 10295

ا.د غازي عبد المجيد الرقيبات يكتب همسة وطنية دافئه

ا.د غازي عبد المجيد الرقيبات يكتب همسة وطنية دافئه

ا.د غازي عبد المجيد الرقيبات يكتب همسة وطنية دافئه

17-07-2025 02:09 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. غازي عبدالمجيد الرقيبات
ليست الأوطان مجرّد امتداد ترابيّ مرسومٍ على خرائط السياسة، بل هي المعنى المتعالي على الجغرافيا، المقدّس المتجاوز للماديات، الكيان الجمعي الذي يُذوّب الفرد في الجماعة، ويستبدل الأنا بالكلّ، ويغرس في الضمير الجمعي عقيدة الانتماء لا على أساس المنفعة، بل على أساس الرسالة.

في الأردن، حيث الجغرافيا تشبه القصيدة، والتاريخ يمشي على قدمين، لا يُقاس الوطن بمساحته، بل بقدرته على أن يكون مأوىً للمعنى، وحصنًا للهوية، ومحرابًا للانتماء. هنا، لا يكون الدفاع عن الأرض مجرّد فعل عسكري، بل هو فعل إيماني، تتقدمه الروح قبل البندقية، ويتقدّم فيه الإيمان بالوطن على كل حسابات المصلحة واللحظة.

في ظل محيطٍ إقليميٍّ تتفكك فيه الدولة إلى طوائف، وتذوب فيه الهويات في مستنقعات الخراب، يتعيّن علينا، كأردنيين، أن نرتقي من موقع المواطنة الشكلية إلى مقام "الحارس الأمين"، فالوطن ليس ملكًا عامًا يُستعمل، بل أمانة في أعناقنا، تقتضي يقظة الوجدان قبل يقظة العيون.

لقد آن أوان التحلّي بالمسؤولية الوطنية لا بوصفها واجبًا مفروضًا، بل باعتبارها نداءً أخلاقيًا، ومقامًا روحيًا تتجلّى فيه أسمى تجليات الوفاء. فالاستقرار الذي نرفل فيه ليس قدرًا عابرًا، بل ثمرة حكمة راكمتها القيادة الهاشمية جيلاً بعد جيل، وسهرٌ لا يفتر من جيشٍ لم يُخلق الا للتضحيات، وأجهزةٍ أمنيةٍ أدمنت الحضور في مواقع التحدي.

وإذا كان الوطن في هذا المفصل التاريخي بحاجة إلى ما هو أكثر من الولاء اللفظي، فهو بحاجة إلى *ضمير استراتيجي* يُدرك أن التحديات لا تواجهها الأهواء، ولا تطيح بها الشعارات، بل تُجابه بالعقل الذي يُفكّر في عواقب القول قبل إطلاقه، وبالحكمة التي تعرف متى تصمت لتصون، ومتى تتكلم لتحمي.

علينا، إذًا، أن ننبذ ثقافة الارتجال في الرأي، والتسرّع في ردود الفعل، والانفعال الذي يُفسد الودّ ويُهدّد الاستقرار. فالوطن لا يُقاس بحرارة الصراخ، بل ببرودة الحكمة. وهو لا يتسع لنزوات العابرين، بل لأولئك الذين يحملونه في قلوبهم كما تُحمل العقائد في الصدور.

وليس الالتفاف حول القيادة مجاملة ظرفية، بل هو انحياز تاريخي للعقل والحكمة، واعتراف عميق بأن هذه القيادة قد تحوّلت إلى *بوصلة وجود*، لا تهتدي بها الدولة فحسب، بل يحتكم إليها وعي الناس في لحظات الحيرة.

وإذا كان هناك من دعوة في هذا المقام، فهي دعوة للصمت النبيل الذي يفكّر، لا للثرثرة العقيمة التي تُربك، ودعوة للتماسك، لا للتشظي، ودعوة لتقديس الأرض، لا تسليعها في بازار المصالح الضيقة.

فالأردن ليس مكانًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا... وواجبنا أن نسمو بلغتنا عنه، كما نسمو بأفعالنا له. أن نراه كما نرى المعنى في الصلاة، لا كما نرى الشيء في السوق. فالوطن*رسالة لا تستهلك*، و*قداسة لا تمسّ*، "ومكانٌ نُبعث فيه مرتين: من دفء حضن الأم، ومن حرارة القسم الذي يربطنا بتراب الوطن."،ولنتذكر دائما أن الوطنية الحقة: ضمير لا يُرى، لكنه يُسمَع في القرار النزيه، ويُلمَس في يدٍ لا تمتد إلا بالعطاء، وتُشمّ رائحته في عرق العمل الصادق؛ مستترٌ في النحو، ظاهرٌ في السلوك، ساكنٌ في وجدان المسؤول، متحركٌ في وجدان المواطن

ا.د غازي عبد المجيد الرقيبات
جامعة آل البيت











طباعة
  • المشاهدات: 10295
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-07-2025 02:09 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم