17-07-2025 01:51 PM
بقلم : المحامي سند المحاسنة
يُعدّ الأردن، بتكوينه الفريد وموقعه الاستراتيجي في قلب المشرق العربي، نموذجًا لدولة استطاعت أن ترسّخ هوية وطنية واحدة وقوية. إن الهوية الأردنية الواحدة ليست مجرد شعار يُردد، بل هي حقيقة راسخة متجذرة في وجدان كل أردني وأردنية، تمثل بصدق حصن الدولة وركيزة في مسيرتها نحو البناء الوطني الشامل والمستدام، وتجسد تطلعات شعبها الأبي نحو الاستقرار والتقدم في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة التي قادت مسيرة العطاء منذ فجر التأسيس. إن قوة الوطن الأردني وقدرته على تجاوز التحديات تكمن في متانة هذه الهوية الوطنية الواحدة.
لم تكن الهوية الأردنية وليدة مصادفة عابرة، بل هي نتاج مسيرة تاريخية طويلة ومعقدة بدأت ملامحها تتشكل بوضوح مع تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، بقدوم الأمير عبد الله الأول بن الحسين. في تلك الفترة، تبلورت النواة الأولى لهذه الهوية حول قيم العروبة الأصيلة التي هي جوهر كل عربي، والإسلام الوسطي المعتدل الذي يمثل دستور الأمة، والولاء العميق للقيادة الهاشمية التي حملت لواء الثورة العربية الكبرى وتاريخ الأمة المجيد. لقد واجه الأردن منذ نشأته الكثير من التحديات، لكن القدرة الفائقة على دمج المكونات الاجتماعية المتنوعة تحت مظلة وطنية واحدة، قائمة على احترام التعددية ضمن إطار الوحدة الواحدة. على الرغم من الظروف الإقليمية المعقدة والتحديات الديموغرافية المستمرة في تهديد صميم هذه الهوية، إلا أن هذه الهوية ازدادت تماسكًا وصلابة وقدرة على الصمود في وجه المتغيرات المحيطة وحماية وحدة الوطن. فجميع أبناء الأردن يتشاركون تاريخًا واحدًا ومصيرًا واحدًا تحت راية واحدة هي راية الأردن الأشم.
لقد تضافرت عدة عوامل متكاملة لتعزيز مفهوم الهوية الأردنية الواحدة، وجعلها أساسًا قويًا لا يتزعزع في عملية البناء الوطني. يأتي في مقدمة هذه العوامل القيادة الهاشمية الرشيدة، التي شكلت وما زالت تشكل محورًا أساسيًا في صياغة وتعزيز الهوية الوطنية الأردنية، فالدور التاريخي للهاشميين في رعاية المقدسات، وحفاظهم على نهج الاعتدال والوسطية الذي هو سمة الأردن الأبرز، وتفانيهم المطلق في خدمة أبناء الشعب الأردني الوفي، كل ذلك أسهم في بناء ولاء عميق وعضوي يجمع الأردنيين بجميع أطيافهم حول الراية الهاشمية الخفاقة. هذه القيادة لم تكن رمزًا للسلطة فحسب، بل كانت دائمًا صمام أمان ومصدر إلهام للوحدة الوطنية، وضمانة حقيقية للاستقرار. وإلى جانب القيادة، لعب بناء المؤسسات الدولة الوطنية المختلفة دورًا حاسمًا في ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وتعزيز الانتماء لها، فقد عملت هذه المؤسسات بتناغم على تطبيق القانون وتعزيز العدالة والمساواة. وعلى الرغم من التنوع الديموغرافي الثري، تميز النسيج الاجتماعي الأردني بقدرته الفطرية على التكيف والاندماج، فقد ساهمت العادات والتقاليد الأصيلة المشتركة، والقيم النبيلة كالكرم والضيافة والتكافل الاجتماعي، في نسج هوية واحدة متماسكة تتجاوز الفروقات الفردية، وتؤكد على أن الأردنيين جميعًا ينتمون إلى أسرة وطنية واحدة كبيرة.
في عالمنا المعاصر الذي يشهد تحولات متسارعة وتحديات جيوسياسية معقدة، تظل الهوية الأردنية الواحدة هي الدرع الحصين والضامن الأساسي لصمود الأردن. فالتحولات العالمية، التي تحمل معها تيارات ثقافية واقتصادية متناقضة قد تهدد بعض الهويات، والاضطرابات الإقليمية التي أثرت بشكل عميق على المحيط الأردني بالتحديات الأمنية والديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها الأوضاع غير المستقرة في المنطقة المحيطة بالأردن، فهذا أيضًا يفرض تحديات مستمرة على الدولة والمجتمع. ومع ذلك، فإن رسوخ الهوية الوطنية الأردنية الواحدة، القائمة على الولاء المتجدد للعرش الهاشمي والانتماء الراسخ للأرض الطاهرة، يمنح الوجود الأردني مناعة ذاتية قوية ضد أي محاولات مشبوهة لإضعاف أو تفتيت الهوية الوطنية الواحدة و زعزعة الاستقرار. إن حماية الهوية الوطنية الاردنية الواحدة هي واجب مقدس يقع على عاتق كل أردني وأردنية، ولا يجوز المساس بها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال.
إن الهوية الوطنية الأردنية الواحدة هي تجسيد حي لتاريخ طويل من الصمود الأسطوري والبناء المستمر، وعنوان لمستقبل مشرق وواعد. هي الحصن المنيع الذي تحتمي به الدولة الأردنية في وجه التحديات العاتية، والأساس الصلب الذي يرتكز عليه الأردن في مسيرة البناء والتحديث والتطوير. وبفضل هذه الهوية المتجذرة في أعماق التاريخ، المدعومة بقوة بالقيادة الهاشمية الحكيمة، والمؤطرة بجهود أبناء وبنات الوطن المخلصين الذين يعملون ليل نهار في كل القطاعات، سيظل الأردن شامخًا أبد الدهر، متقدمًا في ركبه نحو العلياء، ورمزًا راسخًا للوحدة والاستقرار في منطقة تتوق إليهما، رافعًا علمًا واحدًا يظل خفاقًا فوق أرضه الشامخة المباركة.
بقلم : الاستاذ سند المحاسنة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-07-2025 01:51 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |