حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,19 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 11685

دعاء الزيود يكتب: الشرعية التنظيمية في مواجهة الولاءات المتغيرة

دعاء الزيود يكتب: الشرعية التنظيمية في مواجهة الولاءات المتغيرة

دعاء الزيود يكتب: الشرعية التنظيمية في مواجهة الولاءات المتغيرة

17-07-2025 12:24 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : دعاء الزيود
*إطار استراتيجي لإعادة بناء التنظيم الحزبي الوطني*
في سياق الحراك السياسي الأردني الراهن، حيث تتجاذب القوى الداخلية وتتصارع أطر التمثيل السياسي بين رصيد تراتبي وعصرنة تنظيمية، يبدو المشهد الحزبي على مفترق طرق حاسم. لا يمكن فهم التعقيدات التنظيمية الحزبية بمعزل عن التحولات الهيكلية للسلطة والآليات التي تحكم التوازنات داخل الصفوف الحزبية، حيث باتت القضايا الجوهرية لا تتعلق فقط بإعادة بناء قواعد التماسك، بل بتفكيك صيغ الولاء الظرفية التي تفتت ما تبقى من بنى التنظيم العضوي.

ما بين "الهيمنة المحاصصية" التي تسعى لتثبيت قواعدها عبر توزيع المواقع والمحاصصات على حساب الفاعلية المؤسساتية، وبين الحاجة الملحة إلى "عقد تنظيمي عضوي" يُعيد صياغة التوازن بين المركزية واللامركزية، تبدو الأحزاب الوطنية في مأزق استراتيجي حقيقي يتطلب قراءة سياسية معمقة. ولعل أبرز تحدي أمام القيادة الحزبية اليوم هو تجاوز "منطق إدارة الصراعات السطحية" أو ما يمكن تسميته بـ"ديناميكية الاحتواء المؤقت" التي تشكل دائرة مغلقة من الاسترضاءات التي لا تولّد إلا ولاءات هشّة وذات أمد محدود.

على صعيد الإدارة التنظيمية، فإن الانتقال من "القيادة الفردانية" نحو "حوكمة حزبية مؤسسية" عبر التوزيع الواضح للسلطات وتفعيل أدوار الهيئات الرقابية واللجان التنفيذية هو ركيزة لا غنى عنها لخلق مناخ حزبي مستدام. هنا، تكمن أهمية الدور الرقابي الداخلي، الذي لا يجب أن يُصوَّر على أنه وسيلة للتصعيد أو الصراع، بل كجهاز آلي لضبط المسارات وتحصين الحزب من الانزلاق إلى انقسامات مدمرة.

أما في محور العلاقة بين التنظيم الحزبي والمجتمع، فتكمن الإشكالية في كيفية استيعاب الشرعيات الاجتماعية المتعددة – العشائرية، العائلية، المناطقية – ليس كعوائق، بل كعناصر مؤثرة في بناء شبكة عضوية توازن بين الانتماء والالتزام البرامجي. إن محاولة صياغة مشروع حزبي مستقل عن هذه القواعد، مهما كانت جاذبية الخطاب الفكري، ستقود إلى عزلة التنظيم وانفصاله عن قاعدته الحقيقية.

وفي ظل هذا المشهد، يصبح من الواضح أن دور الدولة في توفير الإطار القانوني والتنظيمي المناسب هو عامل تمكين وليس بديلاً عن الأداء الحزبي الداخلي. فالدولة لا تملك أدوات التحكّم الحصري في المشهد، ولكنها تملك القدرة على تأسيس منظومة قواعد تحكم اللعبة السياسية، وتمنح الحزبيين المساحة اللازمة للنمو الذاتي تحت سقف القانون.

إن إعادة إحياء الحياة الحزبية يتطلب استراتيجية وطنية تتجاوز الإطار الحزبي الضيق لتشمل إعادة بناء العلاقة بين السياسة والمجتمع، وتفعيل ثقافة المحاسبة والمسؤولية، وإنتاج قادة يمتلكون رؤية حقيقية لا تستهلكها الصراعات الداخلية أو اللحظات السياسية العابرة. فالحزبية الحقيقية هي ليست مجرد تسلسل هرمي أو مجموعة تضخّم أصواتها بل هي نسيج عضوي يتنفس عبر برنامج وطني متجدد، متماهٍ مع نبض الشارع، ومتفاعل مع ديناميات السياسة الإقليمية والدولية.

في هذا الإطار، يتطلب الحديث عن الإصلاح الحزبي إعادة النظر في مفهوم الولاء التنظيمي، وتحويله من ولاء شخصي أو طائفي إلى التزام مؤسساتي قائم على أولوية المصلحة الوطنية، وقبول الاختلافات داخل إطار موحد، يتم من خلاله تفكيك منطق "التنازع على المواقع" لصالح بناء مشروع سياسي متماسك.

ختاماً، لا يمكن لأي تنظيم سياسي اليوم أن يعول على النجاح دون أن يتعامل بجدية مع "ديمقراطية الحزبية الداخلية" كركيزة جوهرية لبقائه وفعاليته. هذه الديمقراطية ليست مجرد عنوان يُضاف إلى البرامج، بل آلية حقيقية لخلق بيئة سياسية تتجاوز الولاءات الفردية والمصالح اللحظية، وتؤسس لنهج تنموي وسياسي يتواءم مع رؤية الدولة ومصلحة الوطن العليا.











طباعة
  • المشاهدات: 11685
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-07-2025 12:24 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم