بقلم : د. حسين سالم السرحان
تنبع أهمية الزيارات الميدانية للمسؤولين من التحديات التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العديد من المحافظات ومناطق الأطراف، حيث لا يُنظر إلى هذه الزيارات كمجرد نشاط إداري أو مجاملة بروتوكولية، بل كأداة استراتيجية ومنهج عملي يُعبّر عن التزام الحكومة العميق بالمواطن واحتياجاته، أينما كان، من مركز العاصمة إلى أبعد نقطة في الريف أو البادية.

وفي هذا السياق، يبرز نهج دولة الدكتور جعفر حسان كأحد النماذج القيادية التي ترجمت هذا الفهم إلى ممارسات ميدانية فعّالة، تقوم على التواصل المباشر مع المواطنين، والوقوف على واقع الحال بعيدًا عن تقارير المكاتب وصياغات الأرقام الجافة.

زيارته الأخيرة إلى محافظة المفرق، التي جاءت ضمن سلسلة من الجولات الميدانية، شكلت نموذجًا في الإدارة الميدانية المسؤولة، القائمة على التشخيص الدقيق والقرارات المرتبطة مباشرةً بالواقع من الميدان .

إن وجود المسؤول في قلب المناطق الأقل حظًا، لا سيما تلك المصنفة ضمن مناطق ظلّ التنمية، يحمل في طيّاته رسالة واضحة مفادها أن صوت المواطن مهم، واحتياجاته ليست منسية. وقد لاقى حضور الدكتور حسان في المفرق ترحيبًا شعبيًا يعكس شعور الناس بأن هناك من يأتي إليهم ليسمع منهم مباشرة، ويناقشهم في مشاكلهم وتطلعاتهم، ويقدّم تصورًا عمليًا لحلول قريبة المدى وأخرى بعيدة.

لقد تجلى هذا بوضوح خلال الزيارات الميدانية التي شملت قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، لعل المواطنون يلمسون الجدية والالتزام بنهج عمل لا يكتفي بالتشخيص، بل يعمل على الانتقال نحو المعالجة والتخطيط على أرض الواقع.

لقد أسعدني شخصيًا أن تشمل زيارة دولة رئيس الوزراء مركز صحي مغير السرحان، لما تمثله هذه اللفتة من اهتمام بمنطقة تُعد من أكثر المناطق احتياجًا للدعم والاهتمام، لا سيما في قطاعات حيوية كـالصحة والتعليم والزراعة والمياة والعمل.

إن قضاء سما السرحان، بمختلف قراه وتجمعاته، ومن بينها مغير السرحان، منطقة حدودية وزراعية تقع في قلب التحديات، وقد عانت لسنوات من تراجع مستويات الخدمات، رغم دورها المحوري في دعم الأمن الغذائي الوطني واحتضانها لشرائح سكانية متعددة.

زيارة الدكتور حسان لمركز صحي مغير السرحان لم تكن شكلية أو رمزية، بل حملت دلالات واضحة على إعادة توجيه البوصلة نحو المناطق التي طالما كانت خارج دائرة التركيز المركزي. لقد استمع خلال الزيارة إلى الكوادر الصحية واطّلع على احتياجاتهم، كما وقف على أبرز التحديات التي تواجه الأهالي، بدءًا من نقص الكوادر والمعدات، مرورًا بالبنية التحتية، وصولًا إلى الخدمات العلاجية والوقائية.

ما يميّز نهج الدكتور جعفر حسان، أنه لا يكتفي بقراءة التقارير أو مناقشة الأولويات من خلف المكاتب، بل ينقل موقع المسؤولية من المركز إلى الأطراف، ومن الورق إلى الواقع، في خطوات تعكس وعيًا عميقًا بأن التنمية لا يمكن أن تكون شاملة أو مستدامة ما لم تشمل الأطراف والبوادي والقرى، وتُنصف الناس في حقوقهم في الخدمات والفرص.

لقد عزّزت هذه الزيارات، وفي مقدمتها زيارة المفرق، الإيمان بمفهوم التنمية المتوازنة والعادلة، التي تقوم على العدالة في توزيع الموارد والمشاريع، وليس على تكريس المركزية أو تغليب فئة على أخرى. وهي تنسجم بالكامل مع التوجيهات الملكية السامية الداعية دومًا إلى العمل الميداني، والاقتراب من هموم الناس، والاستثمار في إمكانيات المناطق المختلفة.

نأمل أن يلمس أبناء محافظة المفرق، وخاصة سكان قضاء سما السرحان، الأثر الإيجابي لهذه الزيارة في القريب العاجل، سواء في حل مشكلة المياه، وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية، وفتح آفاق أوسع للتنمية الزراعية والتشغيلية، بما يعزز من ثقة الناس في مخرجات هذه الجولات، ويؤسس لاستدامتها كنهج عمل دائم لا ينقطع بزوال المناصب أو تغير الحكومات.

الرسالة الأهم في كل ما سبق ان التنمية لا تُبنى في المكاتب، بل تبدأ من الميدان… من الناس مباشرة