12-07-2025 12:53 PM
بقلم : د. خالد السليمي
منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين رؤيته للإصلاح السياسي، كان واضحاً أن العمل الحزبي هو الركيزة الأساسية لبناء دولة حديثة ذات قاعدة شعبية صلبة، دعوته الصادقة بقوله: "انخرطوا في الحياة الحزبية، وابنوا أحزاباً وطنية برامجية، تنبع من الناس ولأجلهم" لم تكن مجرد توجيه سياسي، بل خارطة طريق متكاملة نحو أردن أكثر تماسكاً واستقراراً، هذا النداء العميق لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن التحولات الإقليمية والتحديات الداخلية، فهو يعكس نُضج القيادة الهاشمية وإيمانها بأن بناء المستقبل لا يكون إلا بشراكة سياسية متزنة وناضجة.
واقع حزبي مُتعثر... وإرادة ملكية للإصلاح
التجربة الحزبية في الأردن لم تكن يوماً سهلة، فقد مرت بمراحل من التهميش والجمود، وارتبطت غالباً في الوعي الشعبي بالاستقطاب والخطابات النخبوية غير المجدية، إلا أن جلالة الملك كان واضحاً في تشخيصه العميق لهذا الواقع حين قال: "لا ديمقراطية حقيقية دون أحزاب سياسية برامجية"، هذه الرؤية تدفعنا إلى مواجهة التحديات البنيوية، مثل ضعف التنظيم الداخلي للأحزاب، وانعدام الثقة المجتمعية، وضبابية البرامج، وتحفيز الانتقال من الشكل إلى المضمون، ومن الاستهلاك السياسي إلى الإنتاج الوطني الحقيقي.
من النخبة إلى الناس... استعادة الثقة
من أبرز أهداف دعوة جلالة الملك إلى الانخراط الحزبي هو نقل الفعل السياسي من يد النخبة المنغلقة إلى عامة الناس، بحيث تُصاغ البرامج من حاجات المواطنين لا من أبراج فكرية معزولة، وهذا يتطلب تجديد الخطاب السياسي ليكون بسيطاً، شفافاً، وقادراً على معالجة قضايا الفقر والبطالة والعدالة الاجتماعية، إن الأحزاب التي لا تملك قاعدة اجتماعية حقيقية ولا تسعى إلى بناءها، تفقد شرعيتها عملياً، وتبتعد عن عمق التحول الذي تنشده القيادة.
التحول الحزبي... ضمانة للاستقرار لا تهديد له
ثمة من يرى في تعددية الأحزاب خطراً على الاستقرار، لكن جلالة الملك فَنّد هذا المفهوم الضيق بقوله: "الاستقرار لا يتعارض مع التعددية، بل يُبنى عليها"، فالمجتمعات التي تُعبّر عن ذاتها عبر أطر حزبية ناضجة هي أكثر قدرة على مواجهة الأزمات، الأحزاب توفر منصات للحوار المؤسسي والتفاوض السياسي، ما يُغني الدولة عن المفاجآت الشعبية والانفجارات الاجتماعية، إنها صمامات أمان وطنية متقدمة، وليست عبئاً كما يحاول البعض تصويرها.
الشباب والحزبية... رهان الحاضر والمستقبل
يُراهن جلالة الملك في خطاباته المتكررة، على الشباب كوقود النهضة السياسية الأردنية، مؤكداً: "الشباب عماد التحديث، وقوتنا في طموحهم وإبداعهم"، ولهذا فإن إشراك الشباب في العمل الحزبي لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية، ويتطلب ذلك تعديل مناهج التعليم، وإدماج الوعي السياسي في المؤسسات الأكاديمية، وتوفير بيئات حزبية مرنة تحتضن طاقاتهم، لا تُقصيهم بسبب قِلة الخبرة، فالحياة الحزبية لن تُقلع فعلياً إلا حين تصبح جزءاً من الحياة اليومية للشباب الأردني.
المرأة الأردنية... نصف المعادلة السياسية
إن رؤية جلالة الملك الشاملة للعمل السياسي لا تُقصي المرأة، بل تؤمن بدورها الجوهري في التغيير، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن تمكين المرأة هو معيار تطور الأمم، وعليه، يجب أن تكون النساء جزءاً أصيلاً من الهيئات التأسيسية والتنفيذية في الأحزاب، لا رموزاً تجميلية أو حشوا عددياً، تمثيل المرأة في الحياة الحزبية يعكس نضج الديمقراطية وعمق الرؤية، وهو أيضاً مؤشر على التقدم المجتمعي والثقة بالقدرات الوطنية من دون تمييز جندري.
نحو بيئة تشريعية داعمة للعمل الحزبي
لم تكن الدعوة الملكية للحزبية لتثمر دون إصلاح تشريعي متكامل، ولأجل ذلك، جاءت التعديلات الدستورية وقوانين الانتخاب والأحزاب لتخلق بيئة قانونية مشجعة، تمنح الأحزاب مساحة حقيقية للمنافسة، لكن القوانين وحدها لا تكفي، إن لم ترافقها إرادة تنفيذية واضحة، وجهود توعوية مجتمعية، وتحرر من البيروقراطية الخانقة، البيئة الحزبية لا تنمو في الفراغ، بل في ظل دعم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ووسائل الإعلام، وبشراكة مع الجامعات والنقابات.
الإعلام والحياة الحزبية... بين التأطير والتنوير
يلعب الإعلام دوراً محورياً في إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والعمل الحزبي، وفي الوقت الذي توجه فيه جلالة الملك في أكثر من مرة للإعلاميين بضرورة بناء خطاب توعوي عقلاني، تبرز الحاجة إلى منصات إعلامية تمنح مساحة عادلة لجميع الأحزاب، وتُراقب برامجهم بموضوعية، وتُحاسبهم على الأداء لا على الانتماء، الإعلام جزء من المعركة الأخلاقية والسياسية من أجل ترسيخ العمل الحزبي الوطني، ومتى ما تحرر من الإثارة والاصطفاف، أصبح شريكاً حقيقياً في التحول.
من الهُوية الحزبية إلى الهوية الوطنية الجامعة
في قلب رؤية جلالة الملك، لا تعارض بين الانتماء الحزبي والانتماء الوطني، بل تكامل وتفاعل، الحزب لا يجب أن يكون بديلاً عن الدولة، بل قناة من قنوات خدمتها، الأحزاب لا تنجح حين تُفرز الهويات الفرعية أو تكرس الانقسام، بل حين تذوب في المصلحة العامة، وتعبر عن جميع الأردنيين بمختلف مشاربهم، الهوية الوطنية الجامعة لا تتشكل في فراغ، بل في ميدان الحياة الحزبية الفاعلة، التي تنبع من الناس ولأجلهم، تماماً كما أرادها جلالته.
كلمة الملك... خارطة طريق للتحول الحزبي الأردني
"أنتم اليوم أمام فرصة تاريخية، لتغيير وجه العمل السياسي، وتأسيس مرحلة جديدة قوامها الانخراط الحزبي البرامجي الحقيقي"، بهذه الكلمات رسم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أفقًا واسعًا لمرحلة سياسية جديدة، تتطلب من الجميع قيادةً، ومؤسسات، ومواطنين، أن يتحركوا بإرادة واعية نحو بناء أردن قوي ومستقر، ليست الدعوة الملكية فقط نداءً إصلاحياً، بل هي التزام تاريخي بعقد اجتماعي جديد، يُعلي من شأن المواطن ويمنحه الوسيلة الفعلية للتأثير في القرار من خلال الأحزاب، إن هذه اللحظة لا تحتمل التردد أو التأجيل، بل تتطلب قفزة سياسية شجاعة، على الدولة أن توفر البيئة الحامية للأحزاب، وعلى المواطنين أن يلبوا النداء، كل من موقعه، فالعمل الحزبي لم يعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية لحماية الأردن في إقليم مضطرب وعالم متغير، في هذه اللحظة، يصبح الوفاء للقيادة والرؤية الملكية مرهونًا بالفعل لا بالقول، وبالانخراط لا بالحياد، وبالمشاركة لا بالانسحاب، إنها مسؤولية وطنية كبرى لا تخص فئة دون غيرها، بل تعني كل أردني غيور على وطنه، مؤمن بملكه، وطامح بمستقبل أفضل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-07-2025 12:53 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |