06-07-2025 01:46 PM
بقلم : باسم البقور
منذ قص شريط الفوضى نهاية العقد الأول من القرن الجاري توالت عمليات الهجوم المتتالي وبلا توقف من قبل أدوات المشروع على الشارع الأردني ،في محاولات لم تهدأ للهيمنة على وعي المواطن الأردني تمهيدا لإستدراجه لوحل الدم والويلات التي أغرقوا فيها الجغرافيا التي تحيطنا، ونظرا لكثافة هذه الهجمات كانت عملية التغذية الراجعة وتقييم كل حدث لأخذ العبرة بعد كل هجوم ضد المملكة ومؤسساتها لا تأخذ حقها السياسي والإعلامي .
وما أن تنتهي هجمة حتى تصعد موجة الكترونية أكثر حدة من التي سبقتها، ومن خلال هذه الثغرة أعتقدت أدوات المشروع بأن لا أحد يراها وليس هناك وقت لرصدها في زحمة الأحداث، وبالحديث عن هذه الشبكات أجرد هنا أحد أهم التيارات التي عملت كرديف لا يقل أهمية عن باقي دمى مشروع حدود الدم الصهيوني، ولعل أهم خلاصات عقدي ربيع الفوضى والتي أرتكز عليها محركو خيوط هذه الدمى هو العمل الممنهج ضد مفهوم الدولة الأردنية.
أعتمد هذا التيار في عمله على "صناعة الإعتقاد" بأستخدام الاقصاء والتشويه والتشويش كسلوكيات وممارسات موجهة ومدروسة ضد الدولة الأردنية، قد نلحقها أيضا بأخرى، كالنكران والتزييف والجحود. سلوكيات وممارسات تملأ الأوراق الصحفية والمواقع الالكترونية والفضاء الاعلامي والصالونات السياسية وذلك عندما يطرح اسم الأردن في فضاء القضية الفلسطينية. هناك تيار داخل الأردن ما زال منطوقه السياسي يتبنى تلك السلوكيات حتى أصبح جزءا واضحا من المشهد الأردني، وبشكل مكشوف ومفضوح لكل ذي عقل وبصيرة.
إن أي إنسان على الصعيد الفردي معرض لأن يناله جزء من الاقصاء أوالتشويه أو غير ذلك من السلوكيات السلبية الناقصة، ذلك قدر الناجحين من البشر، يقاومها المرء ويحاول مجابهتها وهزيمتها، ينجح أحيانا ويفشل أحيانا أخرى. ذلك قدر الأفراد، ولكن أن ينال هذا من الدولة فهذا مسار مرفوض جملة وتفصيلا؛ لأن العواقب في هذا السيناريو ستكون وخيمة خصوصا إذا ما بقي غض النظر من الدولة خيارا متاحا أمام هذا التيار وبقيت الدولة غير جادة في التعامل معه.
الأسئلة غير المطروحة هنا للأسف: لماذا يتبنى هذا التيار الساكن بين ظهرانينا الاقصاء المقصود للأدوار الوطنية في مواقف الدولة من فلسطين؟ ولماذا يمتهن رواده التوقيتات المدروسة لتحديد ساعات الانقضاض على الدولة؟ ولماذا يبرعون في تسييل الأفكارالإيجابية لتنسل من بينها فكرة هدامة؟ ولماذا يجيدون صناعة التشكيك والتخوين والنكران لاستكمال مصفوفة التضادية مع الدولة؟ ليجد المواطن الأردني نفسه في النهاية – رغم كل حسن النوايا- أسيرا لكل هذا التشويش والتشويه، لا سيما أن الجيوسياسية المعاصرة حكمت عليه بأن يكون قدره وقدر وطنه كل هذا الحجم من الاستهداف .
وكلما خطّ الأردن قيادة وشعبا ومؤسسات خطوة جبارة في سبيل القضية الفلسطينية منذ عقود وحتى اللحظة، تظهر تلك الغربان الناعقة بلباس "العفة" السياسية و"الطهارة" الوطنية للتشويش علينا بسواد لونها ونعيق صوتها، محاولة إسقاط اعتقادات فكرية انطلاقا من قاعدتهم الاستراتيجية التي يبرعون بها " صناعة الاعتقاد " لخلخلة السردية الأردنية في القضية الفلسطينية. عندما ألقى جلالة الملك خطابه أمام البرلمان الأوروبي كزعيم عربي يحمل أحلام الفلسطينيين والعرب والمسلمين، أذهل جلالته الأوروبيين بالأنسنة الأخلاقية وذكرهم بأدوارهم المطلوبة، وهو الأمر الذي لم يرق للمأجورين في الداخل والخارج، فأطلقوا سهامهم برؤوس مسمومة، ولكن الدرع الأردني محصن بالوعي والفكر والتاريخ .
ومن باب الواقعية ،أقول بأن هذه الظواهر غير الوطنية تجاربها عديدة عبر تاريخ العوالم والممالك والشعوب،وقد أصابت دولا وأمبراطوريات وحضارات فمنها من اخترقتها ونخرتها واهتزت رواسيها ثم اندثرت وشعوبها، ومنها من نجا وبلغ العلو في التقدم والحضارة والمدنية وما زالت شعوبها حاليا تنعم بصيرورة تاريخها، والشواهد ما زالت ماثلة أمامنا ونسمع نحيبها وضجيجها في سوريا ولبنان وليبيا واليمن. أما الدول الناجية لغاية الآن كجمهورية مصر الشقيقة وأندونيسيا واليابان وسنغافورة والجزائر، فللناجية أسبابها وللمتعثرة أسبابها أيضا، وتبقى الوحدة الوطنية والثقة بالدولة هو ديدن النجاح.
أما الأردن القابض على حقوق الدولة الفلسطينية ومواطنيها منذ بدء المشروع الصهيوني، ولإدراكه أن هذا الدور هو دور أردني عروبي قومي لا مناص منه، فإنه دخل صراعا لا نظيرله في تاريخ المنطقة، فحارب بالسلاح عندما اقتضت الحاجة، وحارب بالكلمة عندما أتيحت له الفرصة، فكان مثالا لتاريخية المهاجرين والأنصار، ومثالا للانصهاروالتلاحم لبناء الدولة الأردنية ودعم القضية الفلسطينية .
والهاشميون لا يحتاجون منا الإشارة أو التذكيرفي هذا السياق، فالتاريخ ما قبل الإسلام و ما بعده شاهد على أدوارهم في نهضة العرب والمسلمين، فهم من أشرف بطون قريش، ومؤسسي رحلة الشتاء والصيف، وحافري بئر زمزم، وقائلي مقولة "وللبيت رب يحميه"، وحاملي رسالة النبوة، ومفجري الثورة العربية الكبرى، وصانعي الملكية والاستقلال الأردني، وهم بناة الأردن الحديث والحافظون للوصاية على المقدسات في فلسطين. قد لا نكون أوفينا الهاشميين حقوقهم عبر هذا التاريخ الممتد ولكن أوفونا هم حقوقنا بريادتهم لنهضتنا الأردنية، ولهم منا كل الوفاء والانتماء والتضحية والمفاخرة بهم أمام العالم أجمع.
ولا بد من القول للعابثين بأنكم واهمون إذا ما ساوركم الأمل بخلخلة مواقف الأردن تجاه الداخل الأردني أو تجاه فلسطين الحبيبة، لأن فلسطين عشق أردني فرضه التاريخ والجغرافيا والتوأمة بين الشعبين. لهؤلاء العابثين نقول: لملموا أفكاركم وأقلامكم وكمموا أفواهكم ،لأن هذه الدولة لها من القوة والقدرة التاريخية والإنسانية والسياسية والقبول الشعبي أن تتجاوزكم دائما وبكل هدوء؛ لأن سماحتها واستيعابيتها ومرونتها منذ التأسيس برهانا على ذلك للجميع.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-07-2025 01:46 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |