حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,6 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5731

د. صبري درادكة يكتب: ليست زوبعة في فنجان: امتحان الرياضيات بين التقويم التربوي والفرز الجامعي

د. صبري درادكة يكتب: ليست زوبعة في فنجان: امتحان الرياضيات بين التقويم التربوي والفرز الجامعي

د. صبري درادكة يكتب: ليست زوبعة في فنجان: امتحان الرياضيات بين التقويم التربوي والفرز الجامعي

05-07-2025 08:20 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. صبري راضي درادكة
بينما نترقّب – بحذر وقلق – الإعلان الرسمي عن نسب النجاح في امتحان الرياضيات لطلبة الفرع العلمي هذا العام، تتجه الأنظار نحو ما هو أبعد من الأرقام؛ نحو المعايير الحقيقية لجودة التعليم، ومصداقية التقييم، وعدالة الامتحان الوطني. إن تدنّي نسب النجاح، إن ثبت، لا يمكن قراءته كحادثة معزولة، بل هو مؤشّر مهم يستدعي مساءلة سياسات التعليم وممارساته، ويطرح تساؤلات مشروعة حول مواءمة أساليب التقويم مع قدرات الطلبة ومع نواتج التعلم المستهدفة في المنهاج. وقد كشفت منصات التواصل، وأحاديث البيوت، وتفاعلات المعلمين والطلبة عن حالة توتر استثنائية رافقت هذا الامتحان، حتى بات بالنسبة للكثيرين صدمة تربوية ونفسية، أصابت حتى الطلبة الذين اعتادوا التميز. ويُعزى جانب كبير من هذا الاضطراب إلى غياب الشفافية المسبقة حول التوجهات الجديدة في بناء الأسئلة، ولا سيما اعتماد الطابع "الاستنتاجي" أو "التحليلي" المكثف الذي لم يألفه الطلبة من قبل بهذه الحدة، ما جعل الامتحان يبدو وكأنه يختبر قدرات مختلفة عمّا تم التدريب عليه فعليًا.

ورغم أن نسب النجاح وحدها لا تختصر المشهد، إلا أنها تمثل مؤشرًا تربويًا لا يُستهان به، وتستدعي قراءة معمقة لجوانب عدة: المناهج، أساليب التدريس، تدريب المعلمين، واستعداد الطلبة. فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل كان الامتحان أداة عادلة لقياس مخرجات التعلم؟ أم تحوّل إلى صدمة فجائية أعادت رسم مفهوم النجاح والتفوق بعيدًا عمّا خُطط له تربويًا؟ إن الاقتصار على امتحان واحد كأداة تقييم نهائية لمسيرة دراسية تمتد لاثني عشر عامًا، يتطلب أعلى درجات الحكمة والمسؤولية والعدل.

ولا يكتمل الحديث دون التطرق إلى معايير جودة التعليم، والتي لا تتحقق بمجرد رفع صعوبة الامتحان، بل بمدى عدالة بنائه، ووضوح أهدافه، وقدرته على التمييز المنصف بين الطلبة. وفق المعايير العالمية، يجب أن يعكس الامتحان ما تم تدريسه فعلًا، ويوازن بين المستويات المعرفية المختلفة، ويكون قابلًا للتنبؤ– من هو حيث نوعية الأسئلة – حتى لا يتحول إلى اختبار للمفاجأة بدلًا من اختبار للمعرفة. إن أي إخلال بهذه المعايير يفتح الباب للتشكيك في مصداقية النظام التقييمي بأكمله، ويفاقم من فجوة الثقة بين الطالب والمؤسسة التعليمية.

وفي ضوء ما حدث، لا يمكن الحديث عن إصلاح تعليمي حقيقي من دون إعادة النظر في فلسفة الامتحان وآلياته. فالمشكلة ليست في صعوبة الامتحان بحد ذاتها، بل في التغيير المفاجئ وغير المعلن، وفي إقصاء المعلمين عن المشاركة في وضع الأسئلة أو مراجعتها. إن تحسين التقييم لا يعني التشديد، بل التدرج، وتوفير نماذج استرشادية، وإعداد الطلبة نفسيًا ومعرفيًا لما هو قادم. كما أن الوقت قد حان لمراجعة الوزن النسبي لامتحان التوجيهي في تحديد مستقبل الطالب، وتحويله من امتحان حاسم إلى جزء من منظومة تقييم متكاملة تشمل الأداء المدرسي والتحصيل التراكمي.

في هذا السياق، لا بد من التوقف عند سؤال جوهري: ماذا نريد من الامتحان الوطني؟ هل هو أداة لقياس نواتج التعلم كما وردت في المنهاج، أم أنه أصبح بوابة للفرز الجامعي تخضع لاعتبارات أخرى؟ حين يُبنى الامتحان على أنه اختبار للقبول الجامعي، فإنه يفقد الكثير من معناه التربوي، ويُحمّل الطالب تبعات إشكاليات لا ذنب له فيها. إن وضوح الغاية من الامتحان هو الخطوة الأولى نحو إعادة التوازن بين التقويم العادل والانتقاء الجامعي، بحيث لا يختزل المستقبل الجامعي في ورقة واحدة، ولا يكون النجاح رهينًا بالصمود في وجه مفاجآت الامتحانات.

ما حدث في امتحان الرياضيات ليس حدثًا عابرًا، بل محطة تستدعي إعادة ضبط شاملة للبوصلة التربوية. الغضب الشعبي لا يجب أن يُقابل بالتبرير، بل بالتحليل والمراجعة، وتحويله إلى فرصة حقيقية للتصحيح والإصلاح. أما الاكتفاء بالدفاع الشكلي عن الامتحان، وتجاهل ما كشفه من ثغرات، فلن يخدم التعليم ولا سمعة التوجيهي الوطني، التي يُفترض أن تقوم على الشفافية، والعدالة، والتوازن، لا على المفاجآت والارتجال.











طباعة
  • المشاهدات: 5731
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
05-07-2025 08:20 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم