03-07-2025 10:21 AM
بقلم : ماجد الفاعوري
مرة أخرى يقف قطاع غزة على حافة كارثة إنسانية جديدة في ظل ما أعلنته إسرائيل عن قبولها المبدئي لهدنة مؤقتة تبدأ يوم الاثنين وتمتد لستين يومًا وسط ضغوط أمريكية تقودها إدارة ترامب السابق الذي يحاول من جديد تصدير نفسه كوسيط سلام بينما تتساقط على غزة القنابل التي خلّفت حتى اللحظة أكثر من ستين شهيدًا خلال يومين فقط من القصف المكثف حسبما أوردت وكالة أسوشيتد برس [AP News]
إسرائيل التي تروّج للهدنة بوصفها بادرة إنسانية تواصل في الوقت ذاته تنفيذ سياسة الأرض المحروقة وتدمير ما تبقى من بنية غزة التحتية مستغلة انشغال العالم بلغة المبادرات والوساطات وفي حقيقة الأمر فإن الاحتلال يستخدم مقترح الهدنة كغطاء مؤقت لإعادة ترتيب صفوف جيشه وامتصاص الغضب الدولي ومنح المجتمع الدولي وهمًا بأن هناك مسارًا سياسيًا مفتوحًا بينما تبقى نواياه الحقيقية متمثلة في استكمال مشروعه بتفكيك المقاومة وإنهاء أي وجود سياسي أو عسكري لحماس والفصائل في غزة كما نقلت صحيفة هآرتس في تقاريرها الأخيرة [Haaretz]
غير أن المعضلة لا تكمن فقط في تعنّت الاحتلال وتوظيفه للهدنة كورقة تكتيكية بل في أداء حماس السياسي الذي بات مثار تساؤلات جدية في الأوساط الفلسطينية والعربية على حد سواء فالحركة التي قدّمت نفسها منذ سنوات طويلة بوصفها رأس حربة المقاومة ضد الاحتلال تبدو اليوم غارقة في حسابات ضيقة وغير واقعية تصر على التعامل مع الهدنة بصفقات الشعارات لا بميزان المصلحة الوطنية الفلسطينية ترفض المبادرات دون أن تقدّم بديلاً عمليًا ينقذ أرواح الأبرياء أو يخفف من هول الكارثة الإنسانية الماثلة أمام سكان القطاع المحاصر
إن الخطاب المتعالي الذي تصر قيادة حماس على تسويقه بأن الحركة خرجت منتصرة أو أن الاحتلال بات يترنح تحت ضرباتها بات خطًا دعائيًا منفصلًا عن الواقع الميداني خاصة وأن الاحتلال يسيطر اليوم على أكثر من 75٪ من قطاع غزة ويواصل التقدم العسكري بوتيرة متصاعدة دون أن تحقق المقاومة أي إنجاز ميداني نوعي يفرض على العدو تراجعًا ملموسًا ما يزيد من مأساوية المشهد أن هذا الخطاب لا يقدّم للغزيين سوى مزيد من الدماء والدمار مع غياب رؤية استراتيجية واضحة لكيفية الخروج من المأزق الراهن أو بناء موقف سياسي موحد مع بقية الفصائل الفلسطينية
في المقابل لا يمكن بحال إعفاء إسرائيل من مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية الكاملة عمّا يجري فالكيان الغاصب يواصل منذ أكثر من سبعة عقود ممارسة سياسات البطش والعدوان وينتهك كل القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية مستغلًا غطاء أمريكيًا وغربيًا يجعل من دماء الفلسطينيين وقودًا لمشاريعه الاستيطانية والعسكرية في كل مرة يُطرح فيها مقترح هدنة يحرص الاحتلال على تفصيله بما يخدم مصالحه الآنية دون أي التزام حقيقي بإنهاء الحصار أو التقدم نحو تسوية سياسية جادة تحفظ الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين في الحياة والكرامة
الهدنة المقترحة اليوم ليست أكثر من استراحة مؤقتة يسعى كل طرف لاستثمارها بما يخدم مصالحه الضيقة إسرائيل تريد تهدئة الجبهات وتلميع صورتها دوليًا وحماس تريد إنقاذ خطابها السياسي المتصدع على أنقاض القطاع المنكوب وبين هذا وذاك يبقى شعب غزة وحيدًا في مواجهة مشهد عبثي يدفع فيه أثمانًا باهظة من دماء أبنائه ومستقبل أجياله
الحل الحقيقي لا يكمن في صفقات هدنة مؤقتة أو شعارات فارغة بل في بناء موقف فلسطيني موحد يملك رؤية سياسية واضحة تقف أمام آلة العدوان وتخرج غزة من دائرة الحسابات التكتيكية إلى مسار استراتيجي حقيقي يعيد للقضية الفلسطينية حضورها وفاعليتها في الوجدان العربي والدولي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-07-2025 10:21 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |