30-06-2025 09:40 AM
بقلم : نادية سعدالدين
تُقدّم غزة، بصمودها وثبات شموخّها ضمن مسار تاريخي ممتّد زاخّر بالنضالات والتضحيات الفلسطينية، مثالا حيا على مقاومة لم تنقطع قطْ من أجل دحّر الاحتلال واسترداد ما سُلب ونيل الاستقلال، مثلما تُقدم إيران نموذجاً لردٍ لا يقبل الاستكانة ضد عدوان صهيوني لا يفهم سوى لغة القوة والعنف.
إن الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية للحركة الصهيونية هي التي تفُجّر الأزمات في المنطقة، فيما تُعد حقوق الشعب الفلسطيني التي تتعرض للاعتداء والسلب والانتهاك الدائم بمثابة الوجه الآخر للصراع، حيث يشكل التنكر المستمر لهذه الحقوق، عقبة صهيونية كؤود أمام أي محاولات استتباب الاستقرار والسلام في المنطقة.
لم يقيّض لمسار عملية السلام، منذ عام 1991، التوصل إلى حل لإنهاء الصراع العربي- الصهيوني، وفي جوهره القضية الفلسطينية، إذ قاد مسار «أوسلو» (1993) إلى مأزق ناجم عن عدم الاتفاق على قضايا الوضع النهائي (اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والأمن والمياه)، بعدما أجلها للمرحلة النهائية من المفاوضات، وكان من المفترض انتهاء المرحلة الانتقالية منه عام 1999، ليس لأن الاتفاق يحمل بذور فشله، أو لاختلال موازين القوى لصالح الكيان المُحتل فحسب، وإنما، أيضاً، لإصرار الأخير على تحكيم هذا الخلل في عملية فرض تسوية مرفوضة لا تحقق الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني في التحرير وتقرير المصير.
ورغم تبني منظمة التحرير الفلسطينية مطلب إقامة الدولة الفلسطينية وفق حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، بعدما رفعت سابقاً شعار تحرير كامل أرض فلسطين، ومن ثم اعتماد المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002 وتنص على انسحاب الاحتلال من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وحل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الدولي 194 مقابل التطبيع، باعتبارها الاستراتيجية العربية الوحيدة لحل الصراع، إلا أن ذلك كله جُوبّه بمخطط صهيوني لضم الضفة الغربية وتهويد القدس المحتلة.
ورغم النضالات الفلسطينية العربية الممتدة منذ ما قبل عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني، غير أن الإنجازات التي تحققت على صعيد إحقاق الحقوق الوطنية المشروعة كانت محدودة، وتجسدت فقط في الجانبين المصري والأردني، بينما لم يتم إحراز أي تقدم لجهة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.
لا شك أن أحد أبرز إشكاليات الصراع العربي- الصهيوني، تتمثل في طبيعة الصراع نفسه وتشابك أبعاده وتعدد أطرافه، نظير الارتباط العضوي بين الكيان الصهيوني والمشاريع الاستعمارية الغربية في الوطن العربي، وبسبب طبيعة الكيان المحتل نفسه، واستناده إلى مزاعم تاريخية دينية بهدف توظيفها لخدمة مشروعه التوسعي في فلسطين المحتلة والمنطقة.
ولا يعد الكيان الصهيوني «دولة» محتلة فقط أو «دولة» استعمارية بالمعنى التقليدي فحسب، وإنما احتلال واستعمار استيطاني إحلالي، لاستناده إلى الاستيطان واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتهجيره وإنكار حقوقه الأساسية في العودة وتقرير المصير، مثلما يشكل أداة للمنظمة الصهيونية السياسية العالمية التي تدعم وجوده واستمراره، وسط دعم أميركي غربي. وكما للكيان المحتل عمق غربي استعماري، كان للقضية الفلسطينية، وما يزال، عمق عربي إسلامي لا يمكن إنكاره.
ويرتبط ذلك بطبيعة الصراع نفسه بوصفه صراعا استراتيجيا وحضاريا عميق الجذور يشمل جوانب سياسية وقانونية واقتصادية وجيو- إستراتيجية ودينية مختلفة، ويدور، في جوهره، حول قضايا أساسية تتعلق بالوجود الفلسطيني العربي وما يعنيه من حقوق مشروعة للعرب في أراضيهم المحتلة وسيادتهم الكاملة عليها، وهويتهم القومية والحضارية. فيما تتعدد أبعاد الصراع وتختلف مجالاته، بوصفه صراعاً مركباً ومعقداً وممتداً تتداخل فيه العوامل الدولية والإقليمية والوطنية.
إن مناداة البعض بالعودة إلى طاولة المفاوضات الفلسطينية الصهيونية لبحث مرحلة ما بعد غزة في إطار تسوية شاملة، تنّم عن قصور في الرؤية الاستراتيجية لطبيعة الكيان الصهيوني المناهض للسلام، ولنزعة حكومة «نتنياهو» العدوانية المتطرفة، مثلما تعبّر عن إشكالية الرهان بمسار التسوية رغم فشله منذ زمن بعيد بسبب التعنت الصهيوني، حيث ستبقى المقاومة دوماً هي الحل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-06-2025 09:40 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |