حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,12 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2130

الدكتور محمود أبو عويضة يكتب: تقرير راصد حول أداء مجالس المحافظات: قراءة نقدية في ضوء الواقع

الدكتور محمود أبو عويضة يكتب: تقرير راصد حول أداء مجالس المحافظات: قراءة نقدية في ضوء الواقع

الدكتور محمود أبو عويضة يكتب: تقرير راصد حول أداء مجالس المحافظات: قراءة نقدية في ضوء الواقع

29-06-2025 10:53 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمود ابو عويضة
صدر قبل أيام تقرير صادر عن مركز "راصد" لتقييم أداء مجالس المحافظات في الأردن، وهو تقرير يأتي في إطار جهود المجتمع المدني في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة العامة. وإذ نؤكد أهمية الدور الرقابي لهذه المؤسسات، فإن من الواجب، في المقابل، إخضاع هذه التقارير للتدقيق المنهجي والتحليل المتوازن، خصوصًا عندما تتناول أداء مؤسسات منتخبة تمثل المواطنين في المحافظات.

لقد بدا واضحًا في التقرير الأخير غلبة الطابع النقدي على حساب التحليل الموضوعي، حيث اعتمد على نسب وأرقام وتقديرات كمية دون أن يرافقها تفسير منهجي أو تبرير واضح لكيفية الوصول إليها. وهذا يطرح تساؤلات مشروعة حول دقة هذه البيانات، ومدى تمثيلها للواقع، وسبل اختبار مصداقيتها.

غياب الإطار المنهجي الواضح
أحد أبرز الملاحظات المنهجية على التقرير هو غياب التوضيح الكافي لأدوات جمع البيانات، وحجم العينة، والمعايير المعتمدة لقياس الأداء، مما يُضعف من صلاحية النتائج العلمية ويجعلها عرضة للتشكيك. فالتقارير الرصينة تعتمد على مؤشرات قياس محددة وقابلة للتحقق، وتُقدَّم ضمن سياق تفسيري متماسك، وهو ما لم يتحقق في هذا التقرير.

إضافة إلى ذلك، فإن التقرير خرج بنسب مئوية لا نعلم مدى دقتها، ولا نعرف كيف يمكن اختبار مصداقيتها، أو ما إذا كانت تعكس فعليًا واقع أداء المجالس على الأرض. ومن دون نشر الأدوات والمعايير المستخدمة، تبقى هذه التقديرات محل تساؤل وتفتقر إلى المصداقية العلمية اللازمة لأي تقرير بحثي أو تقييمي.

نقد دون تحليل... وأرقام بلا حلول
نلاحظ أن التقرير جاء فقط بهدف النقد، حيث اكتفى بإعطاء أرقام ونسب، دون أن يوضح الأسباب الكامنة وراءها أو يقترح حلولًا عملية لتجاوزها. وهذا يخالف المنهج العلمي الذي يُفترض أن تسير عليه مثل هذه الدراسات، حيث لا يقتصر دور الباحث أو المركز على عرض المشكلة، بل يمتد إلى تحليلها واقتراح سبل معالجتها.

ومن المؤسف أن التقرير أغفل هذا الجانب الحيوي، فلم يُقدّم تشخيصًا دقيقًا لجذور التحديات، ولا طرح توصيات بنّاءة تساعد صانعي القرار أو المجالس نفسها في تحسين أدائها. إن المطلوب من مثل هذه المراكز ليس فقط توجيه النقد، بل العمل التشاركي مع الجهات المعنية لإيجاد حلول واقعية، تقوم على فهم معمق للبيئة القانونية والإدارية التي تتحرك ضمنها هذه المجالس.

تجاهل السياق القانوني والإداري
من الجوانب الأخرى التي تجاهلها التقرير كليًا هو السياق القانوني والتنظيمي الذي يقيّد عمل مجالس المحافظات. إذ تعمل هذه المجالس ضمن قانون الإدارة المحلية رقم 22 لسنة 2021، والذي جعل من صلاحياتها وظيفية واستشارية في الأساس، لا تنفيذية. فهي لا تملك السلطة على الموارد، ولا القدرة على إلزام الوزارات والمؤسسات بتنفيذ قراراتها، كما أنها تعتمد في تنفيذ خططها وموازناتها على تعاون الجهات التنفيذية الخاضعة للسلطة المركزية.

لقد حمّل التقرير المجالس مسؤوليات تقع خارج نطاق صلاحياتها القانونية، وهو خلط يعكس عدم فهم دقيق لدورها، ويؤدي إلى نتائج تقييم غير منصفة. كما لم يتطرق التقرير إلى العراقيل المركزية التي تعيق عمل المجالس، مثل تأخر تحويل المخصصات، أو تداخل الصلاحيات بين مجلس المحافظة ومجالس البلديات، أو غياب التنسيق الفعال مع الوزارات.

إغفال الجهود الفعلية للمجالس
ورغم كل التحديات سالفة الذكر، فإن العديد من المجالس استطاعت تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، سواء في إعداد الخطط التنموية، أو تحديد أولويات الإنفاق، أو بناء شراكات مع المجتمع المحلي. وقد أغفل التقرير الإشارة إلى هذه الجهود، مما جعله يبدو منحازًا إلى سردية سلبية، غير عادلة، وتفتقر إلى التوازن.

مثل هذا التناول لا يساعد في تطوير الأداء، بل يضعف ثقة المواطن بالمجالس المنتخبة، ويُربك صورة اللامركزية في أذهان الجمهور، في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة لتعزيز هذا التوجه ضمن عملية إصلاح شاملة يقودها جلالة الملك.

غياب التشاور مع أصحاب العلاقة
كان من الأولى بمركز راصد، وهو جهة تحظى بتقدير مهني، أن يعقد جلسات استماع ومشاورة مع أعضاء مجالس المحافظات أو من ينوب عنهم قبل نشر تقريره. مثل هذه الخطوة كانت ستمنح التقرير عمقًا ومصداقية أكبر، وتسمح برصد التحديات من مصادرها الفعلية، وتُسهم في بناء توصيات واقعية قابلة للتطبيق. لكن، للأسف، جاء التقرير بمعزل عن المجالس التي تناولها، ما أضعف قيمته الحوارية، وأخلى مسؤوليته الاجتماعية تجاه المساهمة في تطوير هذه المجالس.

المطلوب: تقييم منصف وتشاركي
إن المطلوب اليوم ليس نقدًا مجردًا ولا نسبًا مبهمة، بل تقييم منصف، موضوعي، قائم على أدوات قياس واضحة، وفهم دقيق للسياق القانوني والمؤسسي. كما أن مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها مراكز الدراسات، مطالبة بتبني منهج تشاركي في إعداد تقاريرها، وأن تسعى للحوار، لا الإدانة؛ وللحل، لا التوصيف فقط.

خاتمة
النقد البنّاء هو أحد روافع الإصلاح، لكنه لا يكون كذلك إلا إذا بُني على أسس علمية، ومنهجية عادلة، وروح تعاون مسؤولة. أما إصدار الأحكام المطلقة، وتقديم تقييمات غير دقيقة، فيؤدي فقط إلى تشويه الصورة، وتثبيط الجهود، والإضرار بثقة المواطن بمؤسساته المحلية.

إن تجربة مجالس المحافظات، رغم ما يعتريها من جوانب قصور، تظل تجربة حديثة تتطلب من الجميع، مؤسسات رسمية ومدنية، أن تتعامل معها بروح الدعم والتطوير، لا التجريح والتقويض.











طباعة
  • المشاهدات: 2130
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-06-2025 10:53 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم