28-06-2025 01:25 PM
بقلم : د.م. أمجد عودة الشباطات
في الوقت الذي يسعى فيه الأردن إلى تجديد بنيته السياسية عبر تشريعات حديثة، فإن المسافة لا تزال واسعة بين ما هو مأمول وما هو ممكن، وبين القوانين التي تُقرّ والنتائج التي تُقاس. لقد تمخّضت أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عن قانوني انتخاب وأحزاب جديدين، إلى جانب تعديلات دستورية تؤسس من حيث الشكل لمرحلة جديدة عنوانها التدرج نحو حكومات برلمانية حزبية. غير أن التمكين السياسي لا يُقاس بتحديث النصوص، بل بمدى تحوّل هذه النصوص إلى أدوات فاعلة تُنتج حياة حزبية قادرة على الحكم، وهذا ما لم يتحقق بعد.
تم خلال الفترة الماضية تسجيل عدد كبير من الأحزاب الجديدة، دون أن تُقدم الغالبية منها برامج متكاملة أو تصورات واقعية لإدارة الدولة. لم يُشترط وجود خطط اقتصادية واضحة، أو رؤية لملفات التعليم والصحة والطاقة، أو معالجة تفصيلية لقضايا البطالة، والدين العام، والتنمية. وإذا كان الهدف من التعددية الحزبية هو الوصول إلى حكومات برلمانية، فإن غياب البرامج الجادة يُفقد هذه العملية معناها، ويبقي الأحزاب في إطار الشكليات التنظيمية دون مضمون فعلي.
الهيئة المستقلة للانتخاب تعاملت مع عملية ترخيص الأحزاب من زاوية إجرائية، تركز على الجوانب الشكلية كعدد المؤسسين والمقار والتمثيل العمري والجندري، دون أن تشمل آلية لتقييم محتوى البرامج أو مدى جديتها. وهذا خلل في جوهر الفكرة الحزبية. المطلوب وجود آلية داخل الهيئة تتيح فحص البرامج بناء على معايير علمية، يتولاها مختصون في مختلف المجالات الحيوية، بحيث لا يُرخّص لأي حزب لا يمتلك رؤية واقعية قابلة للتطبيق، ومبنية على فهم موضوعي للتحديات الوطنية. وفي حال تعذر ذلك داخل الهيئة، يمكن للدولة أن تفوّض جهات بحثية أو مؤسسات استشارية مستقلة لتقييم هذه البرامج، كما هو معمول به في دول متقدمة، حيث تقوم مراكز متخصصة مثل “Institute for Government” في بريطانيا بتحليل برامج الأحزاب وقياس قابليتها للتنفيذ وارتباطها بالواقع المؤسسي والتشريعي. وجود هذه الآلية ضرورة لأي منظومة سياسية تسعى لبناء أحزاب مؤهلة للحكم، فدون أدوات فحص مستقلة، تبقى البرامج مجرد وثائق خطابية لا ترتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية.
الحياة الحزبية التي لا تُبنى على أسس معرفية وتنظيمية متينة تُنتج انتخابات بلا مضمون، وتعيد تدوير الأزمات بدل معالجتها. ما تحتاجه الدولة اليوم هو وجود كيانات سياسية تمتلك القدرة على الحكم، وتُقدّم برامج دقيقة، مكتوبة بلغة الأرقام، صادرة عن خبرات متخصصة، وقابلة للتنفيذ ضمن الإمكانيات والموارد الوطنية. ومن هنا تبرز الحاجة إلى تفعيل أدوات رقابية داخل الهيئة، لا تقتصر على الجانب الإداري والمالي، بل تشمل متابعة التزام الحزب بفكره وبرنامجه، وتحويل الحياة الحزبية من حالة موسمية إلى مشروع دائم لبناء الدولة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-06-2025 01:25 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |