26-06-2025 03:33 PM
بقلم : علاء عواد
علاء عواد
في كل عام، ومع اقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة، تعود القصة ذاتها إلى الواجهة: طلاب مرهقون، أهالٍ قلقون، ومجتمع بأكمله يعيش على وقع ساعات الامتحان. لكن السؤال الذي لا يُطرح بما يكفي هو: لماذا يتحوّل التوجيهي إلى رعب جماعي؟
ما الذي يجعل امتحاناً أكاديمياً واحداً كفيلاً بإشعال هذا القدر من القلق، بل والخوف أحياناً؟ ولماذا يبدو هذا الامتحان في نظر كثيرين وكأنه لحظة مفصلية في تقرير المصير؟
يرتبط التوجيهي في المخيلة الجمعية بأنه امتحان مصيري، يتوقف عليه مستقبل الطالب، ومكانته الاجتماعية، وحتى نظرته لنفسه. الطالب يُلقَّن منذ سنوات أن مستقبله محصور بين “ناجح أو راسب”، “طبيب أو لا شيء”، “ممتاز أو منبوذ”. هذه الثنائية القاتلة هي ما يصنع الرعب الحقيقي، وليس الامتحان نفسه.
فالطالب لا يخاف من الورقة الامتحانية، بل من النظام التعليمي الذي يختزل كل قدراته ومواهبه في درجات رقمية. ولا يُؤخذ بعين الاعتبار إن كان مبدعاً في الفن، أو بارعاً في التفكير النقدي، أو موهوباً في الرياضة. فالتوجيهي لا يقيس الذكاء، بل يقيس قدرة الطالب على الحفظ والانضباط تحت الضغط. وهكذا يتحول التعليم من اكتشاف للذات إلى معركة عصبية.
والأسرة، هي الأخرى، ضحية. تجد نفسها محاصرة بضغط المجتمع وتوقعاته. تتحول البيوت إلى ساحات عسكرية؛ تُمنع الزيارات، تُغلق الشاشات، ويُفرض الصمت. الأهل، بنواياهم الطيبة، يضغطون على أبنائهم دون وعي، فيزيدون الطين بلّة. الطالب لا يحمل فقط حلمه، بل أحلام العائلة كلها، وفي بعض الأحيان أحلام العائلة الممتدة أيضًا.
ولا يمكن تجاهل دور الإعلام في تكريس هذا الرعب. كل عام تتكرر العناوين ذاتها: “طالبة تحقق العلامة الكاملة”، “الدموع تسبق النتائج”، “انهيارات عصبية بعد الامتحان”… وكأن الامتحان ساحة معركة. هكذا يُخلق شعور بأن النجاح ليس تفوّقاً، بل نجاة، وأن الرسوب ليس إخفاقاً، بل سقوط حرّ في الهاوية.
وأخطر ما في التوجيهي هو أنه يُعطي انطباعاً بأن سنة واحدة كافية لتحديد مصير إنسان. وهنا الجريمة الكبرى. فالحياة لا تُقاس بعلامة، ولا تُختصر في كلية، ولا تتوقّف على شهادة. فهناك من تفوّقوا في الحياة رغم رسوبهم، وهناك من أبدعوا خارج مسار التعليم التقليدي. لكن المجتمع لا يرى هؤلاء، بل يهلّل فقط لأوائل التوجيهي، وكأنهم الناجون الوحيدون من طوفان الفشل.
في النهاية فإن رعب التوجيهي ليس وهماً، بل نتيجة تراكمات نفسية وثقافية واجتماعية. ولعلاجه، لا يكفي أن نقول للطلاب “لا تخافوا”، بل يجب أن نعيد بناء نظرتنا إلى التعليم والنجاح والمستقبل. علينا أن نفكّك الأسطورة: التوجيهي ليس نهاية العالم. بل هو مجرد مرحلة، من بين مراحل كثيرة في رحلة الحياة
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-06-2025 03:33 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |