25-06-2025 10:57 PM
سرايا - عرض معهد ستراتيجيكس للأبحاث الاستراتيجية والسياسية، 3 سيناريوهات لتجدد التصعيد الإسرائيلي الإيراني بعد وقف إطلاق النار الذي بدأ أمس الثلاثاء.
وقال المعهد في تحليل له، حول الحرب وسيناريوهات عودة التصعيد، إنّ الاتفاق جاء نتاج ضغوط أمريكية ودولية، واعتبارات ميدانية أيضًا، الّا أنه لم يضمن تحقيق تسوية دائمة بين الطرفين.
وأوضح أنّ السيناريو الاول، يقوم على تثبيت التهدئة والعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة، من خلال افتراض تثبيت وقف إطلاق النار، وانتهاء حالة المواجهة والاشتباك المُباشر الاستثنائية بين الدولتين. نظرًا لاستمرار عوامل التوتر بينهما، فمن المُرجح أن يعود الصراع إلى قواعد الاشتباك السابقة، ونمط المواجهة غير المُباشرة والحروب السرية والاستخباراتية. وفي هذا الإطار قد تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات الاغتيال والهجمات السيبرانية دون الإعلان عن مسؤوليتها، في حين تعود طهران للضغط من خلال وكلائها وفي مقدمتهم الحوثيين المستمرين في عملياتهم ضد إسرائيل، ما يمكنها من إطالة أمد الصراع مع الاحتفاظ بقُدرة معقولة على إنكار المسؤولية.
بينما يفترض السيناريو الثاني، تحول طبيعة المواجهة بين الدولتين إلى نمط من الهجمات المباشرة التي تستدعي ردود فعل انتقاميةن خاصة وأنّ اسرائيل اثبتت قدرتها على خرق الأجواء الإيرانية، في وقت اكتشف العالم منظومات الصواريخ التي تعتمد عليها إيران، وتستطيع التوسع في استخدام وقد ثبت ذلك خلال التصعيد الأخير.
ويستند هذا السيناريو أن اتفاق وقف إطلاق النار، يهدف أساسًا إلى الحد من تصاعد المواجهات التي بدأت منتصف حزيران، دون وضع إطار أوسع يمنع تكرارها نظرًا للعوامل الكامنة في طبيعة العداء بين الدولتين. وبالتالي يقتصر وقف إطلاق النار على تنظيم الأنشطة العسكرية الأخيرة فحسب. ولا يشمل مستقبل العلاقة بينهما.
أما السيناريو الثالث الذي افترضه التحليل، يقوم على فرضية أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية قد تدفع إيران نحو الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، بجدية أكبر وتصلب أقل، في ضوء أولويات النظام السياسي الجديدة القائمة على حماية النظام أكثر من قدراتها العسكرية والنووية التي شكلت سابقاً رأس الحربة في مفاوضاته.
وينبني هذا السيناريو على أن الولايات المتحدة ترى إيران في الوضع الحالي فرصة لإعادة التفاوض حول ما بقي لإيران من أصول متمثلة في مادة اليورانيوم عالي التخصيب، مع إمكانية دفعها لتقديم تنازلات نووية تتجاوز موقفها المتشدد سابقًا، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
وتاليًا نص التحليل الكامل:
جاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في 24 يونيو 2025، بعد مضي 12 يومًا عقب انطلاق الهجمات الإسرائيلية على القدرات العسكرية الإيرانية، ويومين فقط عقب الضربات الأمريكية على المنشآت النووية المركزية في إيران، وساعات معدودة بعد رد إيران على قاعدة العديد في قطر. هذا الإعلان المفاجئ والسريع يثير تساؤلات ملحة حول تفاصيل الاتفاق، وفرص استمراره، والسيناريوهات المحتملة التي قد تترتب عليه في المرحلة المقبلة.
تباين الروايات وتقييمات "النصر"
بدأ الطرفان الإيراني والإسرائيلي بعد إعلان ترامب وقف إطلاق النار، في سرد رِوَايَتَيْهِمَا المتباينة حول المواجهة العسكرية بينهما. فمن وجهة نظر إسرائيل، التي تعتبر أنها حققت نتائج استراتيجية، واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن ضرباتهم التي استهدفت القدرات الإيرانية ستؤدي إلى شرق أوسط جديد، لن يكون لإيران دورٌ فاعلٌ فيه بعد تفكيك شبكات نفوذها وتدمير مقومات الردع لديها. وعلى الأرض، تشير الأرقام الإسرائيلية إلى حجم غير مسبوق من الإنجاز العملياتي؛ فقد تم ضرب أكثر من 1480 هدف عسكري وأمني شمل مواقع قيادة وتحكم ومنشآت صاروخية ونووية، واغتيال أكثر من 25 قياديًا بارزًا من الحرس الثوري، ومن الدائرة المقربة من المرشد الإيراني، إلى جانب اغتيال ما يزيد عن 15 عالمًا نوويًّا مرتبطين بمشاريع التخصيب، كما تم تدمير أو شل حولي 260 منصة إطلاق ، بالإضافة إلى الأضرار البالغة التي ألحقتها الضربة الأمريكية -التي استهدفت المنشآت الأساسية والاستراتيجية منها- بالبنية النووية التحتية لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان.
والأهم بالنسبة لإسرائيل، هو تحقيق هدفها المركزي المتمثل في فك الحصار الإيراني حولها؛ فقد تم تحييد الجبهة الشمالية المتمثلة في حزب الله في لبنان، وسوريا كساحة استراتيجية عملياتيًا لوكلاء إيران، كما تم فصل الجبهات التابعة لوحدة الساحات الإيرانية عن بعضها، والتي دخلت لدعم الفصائل الفلسطينية في قطاع غزّة بعد تحييد الجماعات المسلحة في العراق، والوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، وتغيير النظام في سوريا، بحيث أجبر ذلك إيران على الرد بتحركات مستقلة، ما أضعف التنسيق وفاعلية الجبهات في مواجهة الأهداف الإسرائيلية.
في المقابل، اعتمدت طهران خطابًا يُمجّد حالة الانتصار رغم الخسائر الواضحة. إذ رأت في روايتها الرسمية أن صمودها أمام حجم الهجوم الإسرائيلي والأمريكي والقدرة على الرد عليه تعتبر نصرًا بحد ذاته، والذي تمثل في إطلاقها قرابة 550 صاروخاً بالستياً وألف طائرة مسيرة نحو إسرائيل، وأدت إلى مقتل 28 إسرائيليًا وإصابة أكثر من 1300، وتدمير عشرات المواقع المدنية والعسكرية من أبرزها معهد وايزمان للعلوم ومصفاة تكرير النفط في حيفا، بتكلفة يومية تتراوح بين 725 مليون إلى مليار دولار أمريكي.
ومن وجهة النظر الإيرانية، صمد النظام السياسي، ولم تُشل بنيتها القيادية رغم الاغتيالات المركزية للصف القيادي، كما احتفظت بما يمثل ركائز الردع الاستراتيجي المتمثلة في أصول برنامجها النووي، ومنظومتها من الصواريخ والمسيرات القابلة للتطوير والتعويض، وواصلت توجيه ضربات صاروخية خلال المواجهة، بل واستخدمت صواريخًا جديدة أبرزها "فتاح 1" الذي يعد أحدث الصواريخ التي طورتها إيران مؤخرًا، ما يمنحها الوصول العميق وتجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، كما استخدمت صاروخ "خيبر شكن" متعدد الرؤوس التفجيرية، والذي استخدمته في الضربة الأخيرة على مدينة بئر السبع قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، والتي أسفرت عن مقتل سبعة إسرائيليين وإصابة عدد آخر، فيما مثل الرد الختامي لطهران.
وعلى الرغم من تناقض الخطابين فإنه كلا الطرفين يحمل تناقضات بنيوية تكشف عن طبيعة الحرب كعملية ردع وليس حسمًا نهائيًا. فإيران التي تتحدث عن "صمود استراتيجي" واحتفاظها بأدوات الردع، تجاهلت واقع التدمير الممنهج لبنيتها الصاروخية وفشلها في تفادي الضربة الأمريكية لمنشآتها النووية، والخسائر النوعية في كوادرها القيادية. وفي المقابل، قبلت إسرائيل باتفاق وقف نار غير مشروط، رغم قدرتها على مواصلة العمليات في العمق الإيراني، وخاصة في المناطق التي لم تستهدف في الشرق والجنوب. وهذا التراجع الإسرائيلي، رغم تفوقها العملياتي واختراقها غير المسبوق في الداخل الإيراني، يكشف عن محدودية الإرادة السياسية لمواصلة مواجهة مفتوحة مع طهران، في ظل الضغوط الأمريكية بفرض الرئيس ترامب وقف إطلاق النار.
المقومات العملية لوقف إطلاق النار
يعتمد وقف إطلاق النار بين الطرفين على عوامل رئيسية تتمثل من جهة في رغبة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في إنهاء الحرب وتجنّب تداعياتها المتصاعدة كعامل محوري في دعم وقف إطلاق النار. وتتمثّل هذه الأطراف على المستوى الدولي في الولايات المتحدة التي، رغم مشاركتها المباشرة في ضرب المنشآت النووية، سارعت إلى الدعوة العلنية لـ"السلام"، في محاولة لاحتواء التصعيد. كما تبرز الصين كطرف آخر لا يرى في استمرار الحرب ما يخدم مصالحه الاستراتيجية، ما قد يدفعها للعب دور ضاغط على طهران للالتزام بوقف إطلاق النار والتهدئة الخطابية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبشكل عام، تعتبر الدول الأوروبية والإقليمية اتفاق وقف إطلاق النار مصلحة مباشرة لها، نظرًا للقناعة المتزايدة بأن استمرار المواجهة يُهدد الأمن والاستقرار الإقليمي. فقد أعربت العواصم الأوروبية في مناسبات عديدة عن رفضها للخيار العسكري وتفضيلها لمسار التفاوض، مؤكدةً على ضرورة احتواء التصعيد. وقد تبنّت فرنسا موقفًا واضحًا في هذا السياق. أما على المستوى الإقليمي، تدرك الدول العربية وتركيا حجم المخاطر الأمنية والاقتصادية المرتبطة باتساع رقعة المواجهة، خاصة مع التداخلات الجغرافية والتشابكات الأمنية في مناطق مثل الأردن والخليج. وبذلك نظرت تلك الأطراف إلى تثبيت وقف إطلاق النار باعتباره ضرورة لتجنب مزيد من الفوضى والتوتر في الإقليم.
من جهة أخرى، تُشكل المواجهة الأخيرة استثناءً من طبيعة العداء الممتدة منذ عقود، والتي اتسمت على الدوام بقدرة الطرفين على تجنب المواجهة المباشرة، أو التوغل في أراضي الطرف الآخر عسكريًا. كما تمثل حالة الإرهاق التي يعانيها طرفا الحرب عاملاً ضاغطًا نحو التهدئة، حيث تخوض إسرائيل منذ أكتوبر 2023 عمليات عسكرية متواصلة ومعقّدة، تمتد على رقعة جغرافية واسعة، ما أرهق قدراتها اللوجستية والبشرية. من جانبها، تكبّدت إيران خسائر جسيمة في بنيتها القيادية والعسكرية، وتعرّضت قدراتها الدفاعية وبرنامجها النووي لضربات مؤثرة. وشهدت الأيام الأخيرة تصاعد المخاطر التي تهدد استقرار النظام السياسي الإيراني، مع اتساع نطاق الضربات الإسرائيلية ليشمل قوات الأمن الداخلي والباسيج، بالإضافة إلى التهديدات المباشرة باغتيال المرشد الأعلى، ما وضع طهران في موقع دفاعي حرج وزاد من ضغوطها الداخلية والخارجية. وهذا ما يُفسر عدم إعلان أي من الدولتين حالة الحرب رسمياً، مما يعكس حرصاً على الحفاظ على القدرة للتحكم في التصعيد وفق المعطيات الميدانية والمستجدات اليومية، كما أصبح واضحًا لإسرائيل التعقيد المصاحب للاستمرار في الحرب أو توسيع أهدافها لتشمل تهيئة الأرضية لتغيير النظام. وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقناة "فوكس نيوز" في 15 يونيو 2025، بأن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران قد تؤدي إلى تغيير النظام فيها.
ويبقى الانتقال إلى مفاوضات حقيقية تُعالج الملفات الخلافية الجوهرية بين الطرفين، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، مرهوناً باستقرار وقف إطلاق النار. فاستقراره واستمراره قد يُمهدان الطريق للعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة، التي اتّسمت بغياب الانزلاق إلى مواجهة شاملة، في حين أن انهياره أو تأخره ينذر بمواصلة التصعيد والانخراط في مواجهة مباشرة طويلة الأمد، ما يُقوّض فرص الحل الدبلوماسي.
مكامن الهشاشة في وقف إطلاق النار
يستلزم تقييم وقف إطلاق النار النظر في مُجمل الصراع الإيراني الإسرائيلي المُمتد منذ عقود، والذي لا يُمكن اختزاله في نتائج المواجهة المُباشرة الأخيرة أو توافقاتها. فوقف إطلاق النار يُشير مُباشرة إلى توقف العمليات القتالية والعدائية العسكرية المباشرة التي بدأت منذ 13 يونيو 2025، وخاصة في مسرحها الرئيسي المتمثل في الأراضي الإيرانية والإسرائيلية، لكنه لا يعني بالضرورة نهاية حالة العداء بين البلدين.
وبالنظر إلى الطبيعة المُركبة للعداء بين الدولتين، وتعدد أدواته وأطرافه وساحاته، والملفات المعقدة المُتداخلة فيه، فإن الاتفاق قد لا ينعكس على الأعمال العدائية غير المُباشرة والسرية بين الدولتين. ومن الناحية العملية يُعيد الدولتين إلى قواعد الاشتباك المعمول بها ما قبل منتصف يونيو، إذ لا يتشمل العمليات العدائية غبر المٌباشرة، مثل الهجمات التي يُنفذها وكلاء إيران ضد إسرائيل، أو العمليات الاستخباراتية والسيبرانية الإسرائيلية ضد إيران.
ومن الناحية الفنية، يفتقر اتفاق وقف إطلاق النار إلى المقومات الأساسية التي تكفل ديمومته، وأهمها: وجود وسيط محايد، واتفاق مكتوب يحدّد التزامات الطرفين، وآليات رقابة للانتهاكات من الجانبين، بالإضافة إلى أطراف دولية وإقليمية ضامنة لتثبيت الاتفاق ومتابعة تطبيق بنوده، وتمارس ضغوطًا مباشرة لضمان الالتزام به. علاوةً على القرارات الداعمة لوقف إطلاق النار من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وفي السياق الحالي، تفتقر الاتفاقية للعديد من الشروط الأساسية لنجاح وقف إطلاق النار؛ حيث جرى الاتفاق بين الأطراف الثلاث شفهياً، وتولّت الولايات المتحدة دور الوسيط الرئيسي، برغم كونها مشاركتها الفعلية والمباشرة في الهجمات، ما أضعف موقفها كوسيط محايد ومقبول لدى إيران. ويظهر أن الاتفاق قد تم التوصل إليه بشكل متعجل، تحت وطأة ضغوط دبلوماسية وعسكرية تخدم أولويات واشنطن الاستراتيجية، أكثر من ضمان تهدئة مستدامة. وقد اقتصر القبول بالاتفاق على المستويات السياسية العليا في الدولتين، من دون تفعيل آليات مؤسسية قادرة على ترسيخه داخل دوائر صنع القرار الأمني والعسكري، مما أدى إلى ضعف التنسيق الداخلي وتراجع الالتزام العملي لبنوده.
وقد تجلّى ضعف الاتفاق بوضوح في نفي عدد من القادة الإيرانيين -من بينهم وزير الخارجية عباس عراقجي- علمهم بوجوده -، ما كشف عن خلل التنسيق الداخلي وعدم وضوح آلية التوصل للاتفاق. ولم يدم الاتفاق سوى ساعات معدودة قبل أن ينتهكه الطرفان، إذ أعلنت إسرائيل رصدها لإطلاق صاروخين من داخل الأراضي الإيرانية، فردّت على الفور بغارات جوية، مصحوبة بتصريحات متصاعدة. وفي خضم هذا التصعيد، تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الطرف الوسيط والضامن الوحيد في هذه المرحلة داعيًا إسرائيل إلى سحب طياريها، في محاولة لاحتواء الأزمة ومنع تصاعدها إلى مواجهة واسعة النطاق.
سيناريوهات التصعيد بعد وقف إطلاق النار
جاء الاتفاق كنتاج للضغوط الأمريكية والدولية من ناحية، والاعتبارات الميدانية والتداعيات من ناحية أخرى. إلا أن هذا الاتفاق لا يضمن تحقيق تسوية دائمة، بل يمثل هدنة مؤقتة تحكمها عوامل أمنية وعسكرية قد تؤدي إلى انتهاكه في أي وقت. ويمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات محتملة تبدأ من العودة لقواعد الاشتباك السابقة، وانهيار الاتفاق، مرورًا بانهيار الاتفاق، ووصولًا إلى وضع الملفات الخلافية على طاولة المفاوضات.
السيناريو الأول: تثبيت التهدئة والعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة
يقوم هذا السيناريو على افتراض تثبيت وقف إطلاق النار، وانتهاء حالة المواجهة والاشتباك المُباشر الاستثنائية بين الدولتين. نظرًا لاستمرار عوامل التوتر بينهما، فمن المُرجح أن يعود الصراع إلى قواعد الاشتباك السابقة، ونمط المواجهة غير المُباشرة والحروب السرية والاستخباراتية. وفي هذا الإطار قد تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات الاغتيال والهجمات السيبرانية دون الإعلان عن مسؤوليتها، في حين تعود طهران للضغط من خلال وكلائها وفي مقدمتهم الحوثيين المستمرين في عملياتهم ضد إسرائيل، ما يمكنها من إطالة أمد الصراع مع الاحتفاظ بقُدرة معقولة على إنكار المسؤولية.
ويستند هذا السيناريو إلى رؤية إسرائيلية بضرورة الحفاظ على مراقبة التطورات النووية الإيرانية، في ظل تقديرات استخباراتية تُشير إلى محدودية تأثير الضربات الأمريكية ضد المنشآت النووية، وخبرة إيران التراكمية في مجال الصواريخ البالستية التي قد تشكل تهديدًا استراتيجياً مستقبليًا، ما يستدعي العمل منذ الآن على تقويض هذا التهديد. من جانبها قد تسعى إيران إلى إعادة تنشيط أذرعها في المنطقة بأساليب غير تقليدية، وإعادة ترتيب وجودها الإقليمي وأولوياتها الخارجية.
السيناريو الثاني: استئناف المواجهات المباشرة المحدودة
يفترض هذا السيناريو تحول طبيعة المواجهة بين الدولتين إلى نمط من الهجمات المباشرة تستدعي ردود فعل انتقامية، في إطار القدرات التي استعرضها الطرفين خلال المواجهة الأخيرة، حيث أظهرت إسرائيل قُدراتها على تنفيذ عمليات جوية في الأجواء الإيرانية، بينما كشفت إيران عن منظومة صاروخية قادرة على اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المُتطورة. خاصة أن المواجهة الأخيرة، جاءت بعد سلسلة من الهجمات المباشرة المنضبطة، منها الهجمات الإيرانية في 14 أبريل 2024، ثُم هجومها بحوالي 180 صاروخاً مطلع أكتوبر من العام ذاته.
ويستند هذا السيناريو أن اتفاق وقف إطلاق النار، يهدف أساسًا إلى الحد من تصاعد المواجهات التي بدأت منتصف يونيو، دون وضع إطار أوسع يمنع تكرارها نظرًا للعوامل الكامنة في طبيعة العداء بين الدولتين. وبالتالي يقتصر وقف إطلاق النار على تنظيم الأنشطة العسكرية الأخيرة فحسب. ولا يشمل مستقبل العلاقة بينهما، ومع تطور الأحداث بين الجانبين مؤخرًا ووصولها إلى حالة المُواجهة المباشرة، فمن المتوقع أن تتكرر في ظل الظروف الراهنة.
كما يعتمد هذا السيناريو على احتمال أن تسعى إسرائيل للحفاظ على خطوط طيارنها العسكري فوق الأجواء الإيرانية، والحفاظ على حريتها العملياتية في تنفيذ الضربات الوقائية أو الاستباقية، على غرار حريتها العلمياتية ضد "حزب الله" في لبنان بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024، وحتى مع وجود آليات متينة لمراقبة وقف إطلاق النار.
السيناريو الثالث: التهدئة المؤقتة تمهيدًا لإطار تفاوضي أوسع
يقوم هذا السيناريو على فرضية أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية قد تدفع إيران نحو الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، بجدية أكبر وتصلب أقل، في ضوء أولويات النظام السياسي الجديدة القائمة على حماية النظام أكثر من قدراتها العسكرية والنووية التي شكلت سابقاً رأس الحربة في مفاوضاته. وينبني هذا السيناريو على أن الولايات المتحدة ترى إيران في الوضع الحالي فرصة لإعادة التفاوض حول ما بقي لإيران من أصول متمثلة في مادة اليورانيوم عالي التخصيب، مع إمكانية دفعها لتقديم تنازلات نووية تتجاوز موقفها المتشدد سابقًا، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
إلا أن هذا السيناريو قد لا يسير بمعزل عن السيناريوهين الأول والثاني، نظرًا لاعتماد الولايات المتحدة وإسرائيل على القُوة من أجل السلام، خاصة أن الضربات الإسرائيلية منتصف يونيو جاءت قبل يومين من الجولة السادسة من المفاوضات شبة المباشرة، وجاءت الضربة الأمريكية بعد يوم واحد من مفاوضات إيرانية-أوروبية. ما يبرز أن الهجمات لا تنفصل بالضرورة عن المسارات الدبلوماسية، بل أصبحت تستخدم كأدوات ضغط تفاوضية خصوصًا إذا ما تبين سلامة برنامج إيران النووي ومحدودية تأثره بالضربات وفقاً للتقديرات الاستخباراتية الأمريكية، ما يستوجب تدخلًا يمنع العودة إلى المُربع الأول لما قبل تطورات يونيو 2025.
وأخيراً، تشير السيناريوهات الثلاثة إلى أن وقف إطلاق النار لا يمثل نهائيًا لحالة العداء أو نهاية للمواجهة العسكرية بين الطرفين بشكل شامل لكل أدواتها، فبين صراع الظل، والانهيار المحتمل، والتفاوض الذي قد يتضمن تعقيدات، ستبقى الاحتمالات السابقة محكومة بجملة من المحددات، وأبرزها الدور الأمريكي كوسيط ودافع لتثبيت اتفاق وقف النار، والإرادة السياسية والقدرة العملياتية لدى طرفي المواجهة. إذ لن يتحقق الاستقرار دون إعادة تعريق قواعد الاشتباك الجديدة وضبط آليات العودة إليها.
"معهد ستراتيجيكس للأبحاث الاستراتيجية والسياسية"
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-06-2025 10:57 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |