24-06-2025 04:05 PM
بقلم : الدكتور علي فؤاد حناوي
لطالما قدمت إيران نفسها كقوة إقليمية عصيّة على الانكسار،
وصاغت خطاباً ثورياً مشبعاً بمفردات “المقاومة”، والتضحية، والصواريخ التي “تغيّر المعادلات”،
لكنّ المواجهة الأخيرة مع إسرائيل كشفت واقعاً مغايراً:
مشروع بلا أدوات، وقيادة تُجيد الصراخ،وتعجز عن حماية الأرواح.
المعركة الأخيرة لم تُسقط الأقنعة فقط، بل عرت المشروع الإيراني برمته،
وسقط من وهج الخطا إلى رماد الهوان.
الرد الذي انتُظر كزلزال… فجاء كنسمة..!!
في استعراض قيل إنه تاريخي، أطلقت إيران نحو 700 صاروخ فيما سمته “رداً مدوياً”،لكن لم يُصب جنديّ، ولم تُسقط طائرة، ولم يتغيّر شيء في ميزان الردع ،باستثناء صافرات الإنذار التي ملأت الفراغ الإعلامي.
انهارت رواية “الانتقام” تحت أنقاض الشعارات،بينما بثت إسرائيل صوراً حقيقية لضرباتها:
منشآت نووية، مواقع عسكرية، واغتيالات دقيقة،
بأسلوب استخباراتيّ يؤكد من يملك زمام المبادرة،ومن يتلقى الصفعة.
شعارات لا تصنع نصراً ..!!
الفرق لم يكن في حجم الصواريخ، بل في عقلية استخدامها ؛إيران لا تزال تعيش في أرشيف الثمانينيات:
هتاف من على المنابر، صواريخ فوق الشاحنات،وحرب إعلامية تعتمد على الانفعال لا الفعل.
لكن زمن المعارك تغير؛نحن في عصر الأقمار الصناعية، والطائرات المسيرة، والحرب السيبرانية،زمن تُخترق فيه غرف القيادة قبل أن تُقصف.
إنه زمن لا يُدار من منابر الوعيد، بل من غرف العمليات المظلمة،حيث تُصنع النتائج بهدوء… لا بهتاف.
المعسكر الشرقي… شريك الغياب
وأما ما يُسمى "بالمعسكر الشرقي” روسيا، الصين، ومن شايعهم —
فلم يظهر إلا في بيانات باهتة، وإدانات دبلوماسية، لا غطاء ناري، ولا دعم استراتيجي، ولا حتى إدانة محترمة.
وكأن إيران ليست أكثر من ورقة تالفة في دفتر مصالح موسكو وبكين،تُستخدم عند اللزوم ،وتُطوى عند الضرورة.
المعسكر الشرقي تابع المشهد على استحياء ،ثم غادر بصمت
أذرع إيران… أفواه مغلقة وأدوار منتهية
أما أذرع إيران في المنطقة، التي لطالما بشرتنا “بزوال إسرائيل”،
فقد تعطّلت فجأة ،أو لعلها كانت تنتظر التعليمات والتمويل!
– حزب الله في “صمت سامي”.
– فصائل العراق تصدر بيانات لا تخيف دجاجة.
– الحوثيون ينظرون إلى السماء… بلا أوامر.
انهارت الأساطير، وتبخر الضجيج،
واكتشف الجمهور أن هذه الأذرع لا تتحرك إلا بأمر،ولا تنطق إلا بميزانية، ولا تقاتل إلا خصماً أعزلاً
الهزيمة… عقلية لا خسارة ميدانية
الهزيمة في هذه الجولة لم تكن عسكرية فقط،بل فكرية واستراتيجية.
صانع القرار الإيراني لا يزال يظن أن الخطابة الثورية تردع طائرات F-35،
وأن الوعظ الإعلامي يُربك أقمار التجسس ، لكن الشعوب ترى وتفهم:
الدول القوية تخطط بصمت، تضرب بدقة،وتخرج بثقة ،أما إيران فتصرخ قبل الضربة، وتنسحب بعدها،ثم تعلن النصر في كل خيبة.
من الوهم إلى ذل الواقع :
ما زالت إيران تبيع شعارات المقاومة،
لكن البضاعة باتت كاسدة، والمشترون انسحبوا ،العالم لا يُكافئ الخطاب المرتفع،بل الفعل الذكي، والمشروع النظيف، والاستراتيجية الرصينة.
ومن يروج أن إيران تقود “مشروع أمة”،
فليُسمّ لنا هذه الأمة:
أمة تُقصف منشآتها النووية،
ويُغتال علماؤها،ثم تحتفل وكأنها لم تُصفَع.
خاتمة ساخرة ،ونهاية مهينة :
وإذا كانت إيران قد فشلت في حماية ما سمته “خطاً أحمراً ”،
فالأجدر بها تحويل منشآتها النووية إلى مصانع سجاد،فهي بارعة في نسج الخيوط ،وإن كانت خيوط وهم.
ولعلل العالم يقدر سجادة فارسية جميلة ،أكثر من مشروع نووي بلا كرامة، ولا كبرياء، ولا مستقبل.
وماذا عنا نحن العرب؟
هنا بيت القصيد والعبرة.
علينا كعرب أن نُقلع عن تصديق الشعارات المستوردة،وأن نُدرك أن قضايانا لا تُصان بخطابات طهران، ولا ببيانات موسكو، ولا بابتسامات بكين.
لقد أنهت إيران حربها المزعومة دون أن تذكر غزة،
نعم غزة التي طالما هتفت باسمها، واتّخذتها ذريعة في خطبها،
لكن حين حانت لحظة الحقيقة ، غابت عن البيان، والميدان، والمفاوضات.
إن قضايانا لن يُدافع عنها من يستخدمها أداة في سوق المصالح.
ومن لا يملك مشروعه ،لا يملك مصيره
ومن لا يصوغ قراره بيده ،يُؤجر صوته، ويُستخدم ثم يُرمى.
لقد كشفت هذه الحرب أن من يتشدق بفلسطين لا يعنيه مصيرها،وأن الصاروخ الذي لا يُطلق لأجلها… لا يشرفنا أن يُطلق باسمها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-06-2025 04:05 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |