حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,31 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 10438

د .محمد عبد الحميد الرمامنه يكتب: الاقتصاد السلوكي: الوصفة الغائبة في إنجاح السياسات العامة

د .محمد عبد الحميد الرمامنه يكتب: الاقتصاد السلوكي: الوصفة الغائبة في إنجاح السياسات العامة

د .محمد عبد الحميد الرمامنه يكتب: الاقتصاد السلوكي: الوصفة الغائبة في إنجاح السياسات العامة

29-05-2025 10:18 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمد عبد الحميد الرمامنة
ما بين ما تخطّطه الحكومات على الورق، وما يحدث فعليًا في سلوك الناس، فجوة صامتة تتكرر، وتتّسع أحيانًا دون أن يُلتفت إليها في الأردن، كما في غيره من البلدان، نشاهد مبادرات مدروسة، تصدر بتفاؤل واضح، لكنّ استجابة الناس تبقى فاترة، مشروطة، أو حتى منعدمة فهل الخلل في عقلانية الناس؟ أم في تصوّرنا لطبيعة هذا "العقل"؟.

 


في أحدث تقرير للبنك الدولي (أواخر 2024)، تم تسليط الضوء على أهمية توظيف الاقتصاد السلوكي في تطوير التنظيمات والسياسات الحكومية، حيث أشار التقرير إلى أن كثيرًا من القرارات العامة تخفق، لأنها تُبنى على افتراضات تقليدية تفترض عقلانية كاملة لدى المواطن الفجوة بين ما تظنه الحكومات منطقًا، وما يتفاعل معه الناس سلوكًا، باتت من أبرز التحديات التي تعيق تنفيذ السياسات وتُضعف الثقة العامة.

 


وهذا الخلل، وإن بدا عالميًا، فإنه يتجلى في الحالة الأردنية بوضوح يستدعي التوقف والتحليل، الاقتصاد السلوكي هو تقاطع معرفي بين علم النفس والاقتصاد، يُعنى بدراسة كيف يتخذ الأفراد قراراتهم في الحياة الواقعية، تحت تأثير السياق، والعاطفة، والعادات، والتحفيزات غير العقلانية لا يفترض هذا الحقل أن الإنسان دائمًا عقلاني، بل يعترف بأننا نخطئ، نؤجل، نتحيّز، نختصر، وننجذب لما هو سهل التفسير أو قوي الأثر العاطفي.

 


وعندما تتجاهل السياسات العامة هذه الحقيقة، تكون عرضة للفشل رغم حسن النية أو كفاءة التصميم الظاهري، في الأردن شهدنا مبادرات لم تحقق أهدافها المرجوة، مثل حملات ترشيد استهلاك المياه، أو الترويج للدفع الإلكتروني، أو برامج التدريب والتوظيف لم تكن المشكلة دائمًا في المحتوى، بل في تجاهل الدوافع النفسية، والمعوّقات الإدراكية، وميل الناس لتأجيل التغيير أو الشك فيه.

 


المطلوب ليس استبدال التخطيط الاستراتيجي الكلي بالتفكير السلوكي، بل دمجه فيه، بحيث تُفصَّل السياسات العامة بما يتناسب مع الواقع الذهني والسلوكي للمواطن لماذا لا يقتنع كثيرون بجدوى التعليم المهني رغم الحوافز؟ لماذا لا تتغير سلوكيات الهدر الغذائي رغم معرفة الناس بتكاليفها؟ الجواب لا يكمن في نقص المعلومات، بل في كيفية تقديم هذه المعلومات، وتوقيت عرضها، وشكل الرسائل المستخدمة.

 


لقد أثبتت التجارب الدولية أن الاقتصاد السلوكي قادر على إحداث فرق ملموس بتكلفة بسيطة ففي بريطانيا، أدى إرسال رسالة بسيطة مضمونها: "تسعة من كل عشرة مواطنين في منطقتك دفعوا ضرائبهم في الموعد المحدد"، إلى زيادة الامتثال الضريبي بنسبة تجاوزت 5% خلال أسابيع.

 


والأردن، اليوم، بأمس الحاجة إلى أدوات فعالة لتعزيز كفاءة الإنفاق العام، وبناء جسور الثقة بين المواطن والدولة، وتخفيض كلف الالتزام الطوعي بالقانون كل هذا يمكن أن تدعمه تدخلات سلوكية ذكية، تبدأ من لغة الخطاب، وشكل الرسائل الحكومية، وتوقيت القرارات، وطرق عرض الخيارات فالسلوكيات ليست مجرد ظواهر فردية، بل موارد قابلة للتوجيه، يمكن استثمارها لصالح المصلحة العامة.

 


قد يرى البعض في ذلك نوعًا من "التلاعب الناعم"، لكن الحقيقة أن البديل هو الفوضى أو القرارات المفروضة التي تُقابل برفض صامت أو تذمر علني أما الاقتصاد السلوكي؛ فيسعى لتصميم بيئة قرارات تساعد الناس على اتخاذ الخيارات الأفضل لأنفسهم ولمجتمعهم، دون إكراه أو ضغط مباشر.

 


إن السياسات العامة لن تُحدث التغيير المنشود ما لم تُصمم بناءً على فهم الإنسان كما هو، لا كما يجب أن يكون وهنا تكمن قيمة الاقتصاد السلوكي، ليس بوصفه نظرية بديلة، بل أداة واقعية وعلمية لتعزيز فعالية السياسات، ودعم الإصلاح الإداري، وتقوية الثقة بين المواطن والدولة، في مرحلة دقيقة تتطلب قرارات ذكية، مرنة، ومبنية على فهمٍ عميق للسلوك البشري.



 

 

 








طباعة
  • المشاهدات: 10438
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-05-2025 10:18 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم