19-05-2025 09:31 AM
بقلم : د. خالد السليمي
في زمنٍ تهتز فيه الثوابت وتُغتال فيه القيم تحت وطأة المصالح العابرة، يبقى الأردن حالة نادرة في الوعي السياسي العربي يخُطّ مواقفه بماء المروءة لا بحبر المساومة، لم تكن مواقف المملكة الهاشمية لحظة انفعال، بل عقيدة متجذّرة، تنبض بها قلوب قيادته وشعبه، فحين انكفأ العالم عن غزة، وحين راوغ كثيرون في ملفات القدس واللاجئين، تصدّر الأردن المشهد بلا تردد، ليس لأن في يده أوراق قوة، بل لأن في ضميره جذوة لا تنطفئ، ووفاء لا يتلوّن.
لم يرضَ الأردن أن يُخضِع مواقفه لمنطق السوق السياسي، بل حمل راية الوصاية الهاشمية على القدس كأمانة لا مساومة فيها، وقف جلالة الملك عبد الله الثاني مخاطباً العالم بلا وجل، مدافعاً عن حرمة الأقصى وحقّ الفلسطينيين، حتى وهو يعلم أن الثمن سيكون حصاراً ناعماً أو عزلة صامتة، ولكنه وفي كل مرة اختار الطريق الأصعب والأطهر، لأن الدولة التي تنحاز للحق مهما كان وحيداً لا تُهزم وإن بدا العالم ضدها، فالموقف المبدئي لا يُقاس بعدد الأصدقاء، بل بحجم الصدق مع الذات والوفاء للأمة.
ووسط اشتداد التحولات الجيوسياسية واصطفاف المحاور، أبى الأردن أن يكون جزءاً من معسكر التجاهل أو الصفقات الغامضة، بل ظل بصوتٍ عاقل وجسور يواجه طوفان التنازلات بإرادة واعية وحنكة سيادية، فقد فتح حدوده للمهجّرين، وصدّر مواقفه الأخلاقية، واحتضن أشقاءه بلا استعراض، لم يكن ذلك تفضّلاً بل موقفاً نابعاً من قناعة راسخة بأن التضامن الحقيقي ليس إعلاناً إعلامياً، بل ممارسة سياسية وأخلاقية، ولذلك احتلّ الأردن مساحة مميزة في ضمير الأمة، واحتفظ بمكانته كصوت أخلاقي وسط ضجيج التواطؤ الإقليمي.
إن ما يفعله الأردن اليوم هو فعل تاريخيّ بامتياز، لأنه يُصاغ في لحظة تصدع كبير، ويفرض توازناً أخلاقياً في مشهد يفتقر إلى البوصلة، فحين يغيب الضمير العربي، ويتحول الألم الفلسطيني إلى نشرة أخبار باهتة، يُصرّ الأردن على أن يبقى صوت الوجع والحق والعقل، وهذه المواقف، وإن لم تحظَ بتغطية ضجيجيه، إلا أنها تُدوَّن في ذاكرة الشعوب ووعي الأجيال، لأن الكرامة لا تُقاس بصخبها بل بصدقها، ولأن الموقف إذا كان نابعاً من جوهر ثابت، فإنه يملك عمراً أطول من عمر الأزمات.
وختاماً، فإن ما يقدمه الأردن اليوم ملكاً وولي عهدٍ وحكومة وشعباً، ليس مجرد تضامن موسمي، بل عقيدة دولة ومبدأ أمة، ولقد أثبتت القيادة الهاشمية أن الكلمة الشريفة لا تُخضع للميزان السياسي، وأن الانتصار للقدس وغزة ليس خياراً، بل واجباً وطنياً وقومياً ودينياً، وفي زمن التراجع والانكسارات، يصبح الصوت الأردني صوتاً للمروءة العربية الصافية، وموقفه حصناً في وجه التفكك الأخلاقي، ومكانته منارةً حقيقية لكل من لا يزال يؤمن بأن الأمة قادرة على النهوض إذا وجدت من يقودها بضمير حيّ ويد نظيفة وعقل بصير.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-05-2025 09:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |