حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,14 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7332

الفاعوري يكتب: أوسلو غزّاوي بنكهة إسلاموية

الفاعوري يكتب: أوسلو غزّاوي بنكهة إسلاموية

الفاعوري يكتب: أوسلو غزّاوي بنكهة إسلاموية

13-05-2025 09:47 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : ماجد الفاعوري
الكارثة تتكرر بقيادة عمائم الوهم ومحللي التضليل

نحن لسنا أمام نصر، بل أمام إعادة إنتاج للنكبة، ولكن هذه المرة بمظهر ديني وشعارات ترفع اسم الله زوراً وبهتاناً. فإن كانت أوسلو الأولى عام 1993 قد جاءت في أعقاب انهيار المشروع القومي الفلسطيني وخروج منظمة التحرير من لبنان، فإن ما يجري اليوم في غزة هو نسخة أكثر انحداراً تحت مسمى "المقاومة"، وهي في الحقيقة انكسار سياسي مغلف بلغة الجهاد، ومحمول على أكتاف تنظيم ديني يبحث عن شرعية زائفة فوق أنقاض الأبرياء
إنها أوسلو جديدة، ولكن هذه المرة ليست بأقلام علمانية أو تفاوضات مدريد، بل بعمائم من قطن، وشعارات من نار، وأكف تتوضأ بدماء الأطفال. أوسلو غزّاويّة بنكهة إسلاموية، لا تختلف في الجوهر عن خيانة أوسلو الأولى، بل تفوقها خطراً لأنها ترتدي قناع الدين، وتُغلف الهزيمة بأحاديث النصر، وتنشر ثقافة العجز على أنها بطولة

حركة حماس لم تبنِ مشروع مقاومة، بل أقامت سلطة بوليسية دينية تتغذى على معاناة شعبها. باسم الإسلام، حكمت غزة بالقمع، وزرعت ثقافة الحزب الواحد، وسلّمت القرار الفلسطيني إلى طاولة محور إقليمي لا يعرف إلا الاستثمار في الخراب. من إيران إلى قطر، من تهديدات حزب الله إلى وساطات القاهرة، تتنقل حماس بين المحاور كما يتنقل التاجر في سوقٍ موبوء بالفساد

وهنا لا بد من القول إن أخطر ما في التجربة الحمساوية ليس فشلها السياسي أو تدميرها لغزة، بل تسويقها لما تفعله على أنه "جهاد في سبيل الله". فكم من جريمة وقعت تحت هذه الراية! وكم من باطل لبس لبوس الحق؟ يقول الإمام مالك: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً خان الرسالة". فهل من يحاصر شعبه، ويشعل حرباً خاسرة، ويوقّع تهدئة سرية، ثم يعلن النصر، إلا مبتدع في دين الله؟

ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل من تولى أمراً من أمور المسلمين فقام فيه بغير أمر الله ورسوله فقد خان الأمانة". فأين الأمانة في تسليم غزة للدمار؟ أين التكليف الشرعي في مغامرة يعلم أصحابها أن نتائجها كارثية، ثم يروّجون لها باسم العزّة؟ أين الشورى وهم لا يفتحون فمهم إلا بقرار من مكتب خارجي؟

إن المشهد اليوم لا يمكن قراءته دون فضح أركان التحليل الكاذب الذي يتولى تزييف الوعي الجماهيري. وعلى رأس هؤلاء يقف سعيد زياد، محلل قناة الجزيرة، الرجل الذي أصبح الناطق باسم وهم المقاومة. سعيد زياد يُجسد قمة النفاق الإعلامي، حيث تُستخدم اللغة لا لإيضاح الحقيقة، بل لتبرير المأساة. في كل ظهور له، يجعل من الدمار "صموداً"، ومن الهزيمة "تكتيكاً"، ومن المعاناة "جزءاً من الإنجاز". إنه إعلام لا ينقل الحقيقة، بل يخترعها

وعلى ذات المنابر، يظهر من يُطلق عليهم "المحللين الميدانيين العسكريين" في قناة الجزيرة، جماعة من الأبواق الذين تخصصوا في تقديم مسرحية الانتصارات الوهمية. لا إشارة واحدة منهم إلى فشل التقديرات، أو سوء التخطيط، أو أن دماء الناس ليست وقوداً لمعركة منتهية النتائج. يظهرون بلغة صارخة، بزخرف القول، ويصفون الرد المدفعي العشوائي بأنه إنجاز استراتيجي. كل ذلك لإقناع الجمهور بأن الدمار كان حتمياً من أجل "التحرير"، بينما في الحقيقة لا يوجد تحرير بل مشروع تهدئة وإعادة إعمار مشروط

النتيجة؟ مئات آلاف النازحين، عشرات الآلاف من الشهداء، دمار لم تشهده غزة في تاريخها. ومع ذلك، تخرج لنا قناة الجزيرة في كل ليلة بصيغة واحدة: "غزة تنتصر"، و"المقاومة تكتب التاريخ". أي تاريخ؟ تاريخ الخراب؟ تاريخ مناحر داخلية في الشوارع؟ تاريخ قادة فرّوا إلى الخارج وتركوا المدنيين يموتون دون كهرباء أو ماء أو علاج؟

هذا ليس نصراً، بل نكبة جديدة تُكتب ببصمات من يدّعيون أنهم ظل الله في الأرض. وقد قال الدكتور بسّام العموش، الوزير الأردني السابق والمنشق عن الإخوان المسلمين: "حماس دمرت غزة، وسلّمتها للمجهول، وتُعيد إنتاج السلطة الفاسدة التي زعمت مقاومتها"

ويقول الدكتور مروان المعشّر، نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق: "حماس خاضت حرباً من أجل التفاوض لا من أجل التحرير. كل ما حدث كان تمهيدًا لترتيب ما بعد الحرب، لا استعادة الأرض"

أما فراس طلاس، المعارض السوري المعروف، فكتب على حسابه: "حماس تُكرر تجربة الإخوان في سوريا: دمار شامل ثم مفاوضات على فتات سياسي مغلّف باسم الدين"

ويكفي أن نعود إلى قول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد: "المستبد يتخذ الدين وسيلة لتثبيت حكمه، والدين منه براء". فكيف إذا كان هذا المستبد يرتدي عباءة الدين، ويتحدث بلغة الشريعة، ويقود شعباً نحو الهاوية باسم الجنة؟

لقد انتهت مرحلة الشعارات. نحن الآن أمام تهدئة طويلة الأمد، واستثمارات قطرية، ومشاريع إنسانية ممولة بشروط أمريكية، ووقف لإطلاق النار يُترجم عملياً إلى نزع المقاومة من مضمونها. وهذا تماماً ما كانت تفعله أوسلو في التسعينات، ولكن الفرق أن السلطة يومها كانت تُسمى علمانية، أما اليوم فهي سلطة لحى وعمائم، وأحزمة ناسفة للأخلاق

فلسطين ليست مزرعة لأحلام الإسلام السياسي، ولا منصة لتجار الدماء إن تحرير الأرض لا يتم عبر زجّ المدنيين في أتون معركة غير متكافئة، ولا عبر تسليم مصير الأمة إلى قرارات تصدر من طهران والدوحة. كفى عبثاً. كفى ادعاءً. كفى تحويل الدين إلى شماعة تُعلّق عليها خيبات الفصائل

إن ما نشهده هو أوسلو جديد، بمذاق أكثر مرارة، ونكهات دينية مزيّفة. وكل من يروج لهذا المسار على أنه مقاومة، إنما يشارك في جريمة تزوير الوعي وقتل الحقيقة











طباعة
  • المشاهدات: 7332
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
13-05-2025 09:47 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
مع اقتراب انتهاء الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين.. ما هو رأيكم في أداء المجلس حتى الآن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم