05-05-2025 08:41 AM
بقلم : نادية سعدالدين
منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ ينشط ما يُعرف بتيار «ما بعد الصهيونية» لتقديم طروحات مُغايرة، عن سابق عهده، حول «نهاية الصهيونية» وإعادة النظر بالأيديولوجية المُؤسسة «للدولة اليهودية»، والانضمام لمطالب وقف حرب الإبادة ضد قطاع غزة، ودعوة حكومة «نتنياهو» للانخراط في عملية تسوية سياسية والتصالح مع المحيط الإقليمي، لإحلال السلام بالمنطقة، أو هكذا يتخيلون.
ورغم أهمية ما يدعو إليه؛ إلا أن أصوات النخبة المُمثلة للتيار تذوب بين ثنايا المناخ المتطرف السائد بالكيان المُحتل، والإجماع الساحق على مزايا الصهيونية، والاعتناق المُطلق للمزاعم الدينية والتاريخية التوسعية التي يُروج لها أقطاب «حكومة نتنياهو» اليمينية، وتجد الأصداء الواسعة عند المستوطنين المتطرفين، مما يجعل أي تحرك مُعاكس بعيداً عن التأثير السياسي المباشر.
ومع ذلك؛ ينم هذا الحراك، حتى لو كان ضعيفاً، عن ظاهرة متنامية باتت أكثر وضوحاً في انتقاد الحركة الصهيونية، وأفضل تعبيراً عن أزمة الصهيونية نفسها، التي عمقتها المقاومة الفلسطينية، من خلال اتساع رقعة مخاوف الداخل الصهيوني، بعد 7 أكتوبر 2023، من المصير المجهول لكيانهم المُحتل، بينما لجأت حكومة «نتنياهو» إلى صياغة «بوتقة صهر» جديدة لضمان الالتفاف الجمعي حول مخطط تهويد الضفة الغربية، لاسيما القدس المحتلة، وتكريس البعد اليهودي «للدولة»، لأجل التغطية على تساؤلات وجودية لا تملك إجابة لها.
لا شك بأهمية دور النخبة القليلة من تيار «ما بعد الصهيونية» أو «المؤرخين الجدد»، من أمثال «آفي شليم» و»بني موريس» و»توم سيغيف» و»إيلان بابيه»، في دحض الرواية الصهيونية الرسمية، من داخل عقر الكيان الصهيوني نفسه، حول «نكبة فلسطين» عام 1948 والمذابح المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وتأسيس الكيان الصهيوني، ومحاولة استعادة الحدث بعيداً عن تأثير الدوائر الصهيونية، والخروج من بوتقة القراءة الرسمية الصهيونية المغلوطة لتاريخ فلسطين والاستعمار الاستيطاني الصهيوني فيها، مما مكنهم من الاقتراب نسبياً من الرواية الفلسطينية والعربية.
إلا أن هذا التيار، الذي تعود تسميته إلى رئيس جمعية الاختصاصيين الاجتماعيين بالكيان المُحتل «أوري رام» عام 1993 وانتشر على يد الكاتب «عاموس إيلون» عام 1996 والبروفيسور «مناحيم برينكر»، تشوبه سلبيات انحسار دوره في الأوساط الجامعية والبحثية واعتماده على المصادر الرسمية الإسرائيلية فقط وعدم تأسيس منظومة فكرية داخلية تؤتي نتائجها الملموسة على مستوى الواقع السياسي، ولكنه يشكل جزءاً من التساؤلات التي صاحبت تجليات الموجة الثقافية الغربية العامة حول تعبيرات «نهاية التاريخ» و»نهاية الفلسفة» و»نهاية الحضارة»، فتردد مسمى تيار «ما بعد الصهيونية».
وقد زاد استخدام تعبير «الما بعد» تدليلاً على كون المصطلح الذي يتبعه لا يعبر عن خصائص جامعة مانعة، وإنما ينم عن مرحلة انتقالية غير محددة الملامح، وهي مرحلة جديدة من مراحل تطور المشروع الصهيوني ما زالت في طور التبلور ولم يتحدد مضمونها بعد.
إن المعضلة الفكرية الأساسية في مرحلة «ما بعد الصهيونية» تدور حول إيجاد صياغة مقبولة لعلاقة الدين بالدولة، وفصل المواطنة، المُقتصرة على اليهود فقط، عن الدين، بما يصطدم مع شائكية علاقة «الأمة» اليهودية المزعومة بالدين و»بيهودية الدولة». ولأن المرحلة الجديدة لم تستقر بعدْ؛ فإن «ما بعد الصهيونية» لم تحتل مكان الصهيونية، ولكن في هذه المرحلة الانتقالية تظهر بوضوح عمليات تسييس الدين وتدين السياسة بشكل يميل إلى التطرف، مما ينتج عنه توليفة عنصرية توسعية تدعو لتعزيز الهوية اليهودية الصهيونية بمعناها الإقصائي للفلسطيني والعربي، وتحث على العنف و»التهويد» و»الضم» على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
رغم تعدد مظاهر أزمة الفكر الصهيوني وقيامه على أسس غير موضوعية ولا عقلانية، جوهراً وأسلوباً، لكن الكيان المُحتل لا يزال يتمتع بديناميكية كبيرة، وهو حال الأيديولوجيات المتطرفة التي تتغذى على الاستعمار والاستيطان والتعصب المتشدد والنزعة العدوانية، وتنمو وسط شن الحروب الدائمة، حيث لا تنتهي إلا بالمقاومة.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-05-2025 08:41 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |