30-04-2025 02:00 PM
بقلم : العقيد المتقاعد محمد الخطيب
تشير إحصائيات التقرير الجنائي السنوي لعام 2024 إلى ارتفاع ملحوظ في معدل الجريمة في الأردن بنسبة 5.26% مقارنة بعام 2023، حيث تم تسجيل 23982 جريمة مقابل 22784 في العام السابق. وتعني هذه الأرقام أن جريمة تقع في الأردن كل 21 دقيقة و59 ثانية، مقارنة بجريمة كل 23 دقيقة في العام الماضي، مما يعكس تسارعًا واضحًا في وتيرة الجريمة، لا سيما في الجرائم الواقعة على الأشخاص والأموال والأخلاق العامة، إلى جانب ارتفاع ملحوظ في جرائم الأحداث والمخدرات.
هذا الواقع يطرح تساؤلًا جوهريًا: لماذا ترتفع الجريمة؟ وماذا يكمن خلف هذه الأرقام؟ إن الإجابة لا تتعلق بضعف أمني أو تقصير من جهة إنفاذ القانون، بل هي نتيجة طبيعية لجملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية التي تتشابك وتؤثر بشكل مباشر في النسيج المجتمعي. فالنمو السكاني السريع في المملكة يفرض ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية، وسوق العمل، والخدمات، مما يولد مشكلات اجتماعية حادة وتوترًا في العلاقات المجتمعية. كما أن البطالة والفقر، وخاصة بين فئة الشباب، يشكّلان أرضًا خصبة للجريمة حين تغيب الفرص ويضعف الأمل بالمستقبل، فيدفع ذلك البعض إلى الانحراف إما بدافع البقاء أو كرد فعل على الإقصاء والتهميش.
ولا يمكن تجاهل تأثير التفكك الأسري والضغوط النفسية التي تعيشها العديد من الأسر، حيث تزايد نسب الطلاق وضعف الرقابة الأبوية وسوء التواصل بين أفراد العائلة يجعل الكثير من الأبناء عرضة للتأثر بسلوكيات منحرفة أو خطرة. من جهة أخرى، يُعد انتشار المخدرات، الذي سجل ارتفاعًا بنسبة 10.4% وتركّز في المناطق الحدودية والجنوبية، أحد أخطر التحديات التي تواجه الأمن والمجتمع، إذ تُستخدم هذه المناطق كبوابات لتهريب وترويج السموم، ما يُثقل كاهل الأجهزة الأمنية. كما أفرزت الثورة الرقمية نوعًا جديدًا من التهديدات، فباتت الجرائم الإلكترونية من ابتزاز ونصب واحتيال تُرتكب عن بُعد، وتطال فئات عمرية صغيرة، ما يتطلب استراتيجيات جديدة في المكافحة والوقاية.
في مواجهة هذا الواقع، لا يمكن إنكار الجهود الكبيرة التي يبذلها جهاز الأمن العام، الذي لم يعد يكتفي بالاستجابة للجريمة بعد وقوعها، بل أصبح يعمل استباقيًا على منعها والحد من آثارها. وقد شهدنا خلال الفترة الماضية حملات أمنية واسعة شملت ضبط كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة، وملاحقة المطلوبين الخطرين في مختلف أنحاء المملكة، إلى جانب إطلاق مبادرات توعية وتثقيف، واستحداث وحدات متخصصة مثل حماية الأسرة، وأمن الأحداث، ومكافحة الجرائم الإلكترونية. إن ما يقوم به رجال الأمن العام ليس مجرد أداء وظيفي روتيني، بل هو جهد وطني يُبذل رغم محدودية الموارد وكثرة التحديات.
لكن، وعلى الرغم من هذه الجهود الأمنية الجبارة، فإن مسؤولية معالجة الجريمة لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية وحدها. فالحل الحقيقي لا يمكن أن يكون أمنيًا فقط، بل يجب أن يكون وطنيًا متكاملًا. وزارة التربية والتعليم مطالبة بدور فاعل في تعزيز قيم المواطنة والاحترام والتسامح في المناهج الدراسية، وتوسيع نطاق برامج التوعية في المدارس. أما وزارة التنمية الاجتماعية فعليها أن تكثف جهودها في رعاية الأسر المتفككة، ورصد حالات العنف الأسري، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للفئات الهشة. كذلك يقع على عاتق البلديات والمجتمع المدني مسؤولية توفير بيئات آمنة ومساحات إبداعية للشباب، تسهم في احتوائهم وتمكينهم، بدلاً من تركهم عرضة للفراغ والتطرف والانحراف.
ولا بد من الإشارة إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه وزارات الأوقاف ومجلس الكنائس والجهات الدينية، في نشر الخطاب المعتدل وترسيخ القيم الأخلاقية الجامعة، إلى جانب الإعلام الوطني الذي يجب أن يكون شريكًا مسؤولًا في نقل الحقائق دون تهويل أو ترويج للخوف، بل من خلال تحفيز الوعي المجتمعي، وتسليط الضوء على الحلول لا فقط على المشاكل.
خلاصة القول، إن ارتفاع الجريمة في الأردن هو ناقوس خطر وليس حكمًا بالإدانة. نعم، الأرقام تتزايد، لكن هذا لا يعني انهيارًا في المنظومة الأمنية، بل يشير إلى تحديات مركبة تستوجب منا جميعًا ــ كمواطنين ومؤسسات ــ التكاتف والعمل المشترك. لأن الأمن ليس مجرد شرطة وملاحقة، بل هو استثمار طويل الأمد في الإنسان، وفي العدالة، وفي التعليم، وفي العدالة الاجتماعية. وحده الوعي الوطني الشامل قادر على كسر دورة الجريمة وبناء مجتمع أكثر أمنًا واستقرارًا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-04-2025 02:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |