بقلم : المهندس عصمت حداد

أعتقدُ أن أيَّ تلميذٍ في المدرسةِ الأبتدائيةِ يعرفُ تمامَ المعرفةِ أصولَ تحريكِ (الفاعل) و (المفعول به) ، كما يعرفُ خبرَ (كان) واسمَ (إن) ، كما أن جميعَ تلميذاتِ المدرسةِ الأبتدائية في هذا الزمنِ الأغبرِ يعرفن (حروف الجر) و (حروف النصب) ، وغير ذلكَ من شؤونِ النحوِ والصرفِ في لغتهمِ العربية .. لكن ، الغريبَ العجيبَ أن غالبيةَ النوابِ والنائباتِ في البرلمان الأردني الذين يُتقنون فنَّ الأناقةِ و "الكشخة" وجمعِ المالِ واللهثَ وراء المكاسبِ الشخصيةِ ، لا يعرفونَ شيئاً عن حروفِ (النصب) و (الرفع) و (الجر)! وكأنهم جاؤوا من بحرِ ما قبل العصرِ الجاهلي ، ولم يدرسوا بمدرسةٍ ابتدائيةٍ ولا بمدرسةٍ إعداديةٍ ولا بثانوية !!.

ربما قد نتجاوز كلَّ هذا ، وقد نقول : يسقطُ النحو والصرفُ وكلُّ قواعدِ اللغةِ العربيةِ في ظلِّ قانونِ الانتخابات الحالي .. هذا القانونُ العقيمُ الذي أفرز مجلساً نيابياً مشوهاً ، لا يعبِّرُ عن طموحاتِ هذا الشعبِ ، ولا يلبّي أدنى رغباتهِ في التغييرِ المنشودِ .. لكنْ ، أن يصلَ الحدُّ إلى أنَّ بعضَ النُّوابِ لا يفرِّقوا بين الدولةِ والحكومةِ ، وبين الوطنِ والحكومة ، فهذه مصيبةٌ .. نعمْ ، مصيبةٌ عندما يعتقدُ بعضُ النُّواب " أن الحكومةَ هي الأردن "، والطَّامةُ الكبرى أنهم يعتقدونَ أن من ينادي بالإصلاحِ ، وينتقدُ الحكومةَ أو يتحدثُ عنها هو عدوٌّ للوطنِ!! .

يا سادة : عليكم أن تفرِّقوا بين مفهومِ الوطنِ ومفهومِ الحكومةِ! .. الحكومةُ هي إدارةٌ سياسيّةٌ لفترةٍ قصيرةٍ من عمرِ الوطنِ ، ولا حكومةً تبقى للأبدِ .. ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔُ ﺗﺪﻳﺮُ مؤسساتِ الوطنِ إﺩﺍﺭﺓً ﻣﺴﺘﻘلةً فقط ، ﺑﻤﺎ ينصُّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥُ والدستورُ ، ﻭﻻ ﻳحقُّ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔِ أن تسخِّرَ ﻣﻘﺪﺍﺭﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔِ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ، ﺑﻞ ﻟﺨﺪﻣﺔِ ﻭﺭﻋﺎﻳﺔِ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺸﻌﺐِ ﺍﻟﺬﻱ أعطى ﺍﻟﺜﻘﺔَ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔِ من خلالكم ﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖُ ﻣﺼﺎﻟﺢَ ﺍﻟﺸﻌﺐِ ، ولا تنسوا أنكم ممثلونَ لهذا الشعب! .. بينما الوطنُ هو التاريخُ ، والجغرافيا ، والتراب الذي ضمّ عظامَ الأجدادِ ، والشجرُ الذي شربَ عرقهم ، هو الفكرُ والكتبُ ، والعاداتُ والتقاليدُ ؛ لهذا من حقِّ كلِّ إنسانٍ أن يكرهَ الحكومةَ ولكنْ ليس من حقّهِ أن يكرهَ الوطن . والمصيبةُ الأكبر من الخلطِ بين الحكومةِ والوطن ، هو أن يعتقدَ بعضكم أنَّنا ننتقمُ من الوطنِ إذا انتقدنا الحكومةَ ، وكأنَّ الوطنَ للحكومةِ وليس لنا!!.

قُصارى القولِ : كيف تستطيعُ هذه النخبُ السياسيةُ أن تعرفَ أخطاء الحكومةِ وتحاسبها وهي لا تعرفُ الفرقَ بين الحكومةِ والوطن ؟! .. أليس من الغريبِ حقّاً أن الكثيرَ من النوابِ يعتبرونَ أنفسهم (عظماءً) في علومِ السياسةِ ، وهم لا يعرفونَ أفعالَ حروف (الجر) ، ويجدونَ صعوبةً في قراءةِ الجريدةِ اليوميةِ بصورةٍ صحيحة ، يبدو أنهم يكرهونَ قواعدَ اللُّغةِ العربيةِ ، ويجهلونَ أبجدياتِ العملِ السياسيّ ، لكن أقولُ لهم بتواضعٍ : من لا يعرفُ أخطاءهُ في (الكلام) كيف يمكنُ أن يعرفَ أخطاءه في (الفعل) ، وكيف له أن يشرِّعَ القوانينَ وأن يراقبَ ويحاسبَ الحكومات؟!

همسة : ( الوطنُ ثابتٌ .. والحكوماتُ والبرلمانُ من يتغيرون!! )

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا