حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,16 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 1816

يا مدارس .. يا مدارس

يا مدارس .. يا مدارس

يا مدارس  ..  يا مدارس

13-09-2022 04:35 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
لم تكن المدرسة بالنسبة لي هي المكان الذي تعلمت فيه الحرف والكلمة فقط ... كانت العالم الذي شعرت فيه بالتميز والنجاح وهي الميدان الذي كنت أجد نفسي فيه نداً للآخرين بل ومتفوقاً عليهم ... كانت الفضاء الواسع الذي كان فيه الوقت يمر سريعاً ما بين تعلم وفائدة واستمتاع ... لم يكن اليوم المدرسي لدي ينتهي بإنتهاء الحصص الدراسية ... فكثيراً ما كان يمتد بعد ذلك ساعة أو ساعتين أو أكثر في نشاط لا منهجي أو في التحضير لمناسبة أو احتفال معين ... لم يكن يمر نشاط مدرسي ثقافي معرفي أو اجتماعي إلا وأكون في مقدمة المشاركين فيها ... سواء تعلق ذلك بمجلات الحائط أو أنشطة الإذاعة المدرسية أو حتى الحفلات السنوية التي كانت تقيمها المدرسة .... نشاط واحد تخلفت عنه ذات صيف عندما تم الترتيب لإقامة ما عرف في ذلك الوقت بمعسكرت الحسين للعمل والبناء خلال العطلة الصيفية ... حيث يخيم الطلاب في المدرسة لتنفيذ أنشطة تطوعية للمدرسة والمجتمع بالإضافة إلى نشاطات رياضية وثقافية وفنية مختلفة وحفلات سمر في المساء ... مما أثار الترحيب والبهجة والحماس لدى الطلبة .... فيما أثار لدي مشاعر مختلفة تماماً قمت على أثرها بالتوجه لمدير المدرسة طالباً إعفائي من المشاركة في هذه المعسكرات الأمر الذي قابله باستغراب واستنكار شديد ... لكنه سرعان ما تفهم الموقف وتعاطف معي ووافق عندما أخبرته بأن العطلة الصيفية هي الفرصة الوحيدة المتاحة لدي للعمل لكسب القليل من المال اللازم لشراء مستلزماتي للسنة الدراسية القادمة ...

كانت علاقتي ممتازة مع زملائي الطلبة وخاصة المتفوقين منهم ... إلا أن علاقاتي مع العديد من المعلمين كانت استثنائية بكل المقاييس فكنت أرى في كل منهم المثل والقدوة بل الأخ الأكبر والصديق .... وقد مثلت علاقتي بمعلمي اللغة العربية على وجه التحديد علامة فارقة في حياتي .... فقد كانوا الأقرب إلى نفسي دائماً ... ولا أدري هل كان السبب في ذلك حبي وشغفي بتلك المادة الذي انعكس على علاقتي مع مدرسيها ... أم تَمَيُزَ من أحب تلك اللغة وتخصص في دراستها .... وهنا أذكر بكل الحنين الأوقات الرائعة التي كنت أقضيها وبعض الزملاء ونحن في الصف الثاني الإعدادي بعد الدوام مع الأستاذ فخري كتانه استاذ اللغة العربية وقتها ونحن نعد مجلة الحائط "منبر الطالب" ... كما أذكر شعوري بالصدمة والخسارة عندما أبلغني ذات يوم أنه سيترك العمل خلال أيام للسفر إلى القاهرة لمتابعة دراسته العليا هناك .... وقد بقينا عقب سفره نتبادل الرسائل على مدى شهور طويلة بعدها ... فيما استمرت علاقاتي المتميزة مع اساتذة اللغة العربية الذي جاءوا بعده وأذكر منهم زهير الرمحي وجميل العورتاني ورزق أبو أصفر ويوسف أبو صبيح والمرحوم محمد صالح زلوم ....والذين كانوا يرون في شخصي المتواضع مشروع كاتب أو أديب واعد ... ولكني خذلتهم جميعاً وخذلت نفسي وسلكت دروباً بعيدة كل البعد عن هذا المجال ....

كنت حريصاً كل الحرص أن لا أظهر بمظهر الطالب الفقير في المدرسة حفاظاً على صورتي ومكانتي بين زملائي الطلاب .... وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير ... إلا أن مواقف محدودة قد أفسدت علي هذا المسعى ... فقد جاءني ذات يوم الأستاذ عمر عيد مشرف الفرقة الكشفية في المدرسة ليخبرني بأنه ليس من المقبول أن تضم الفرقة الكشفية كافة الطلاب المتميزين في المدرسة وتكون أنت خارجها فقط لعدم قدرتك على توفير ثمن البدلة الكشفية البالغ دينارين ونصف الدينار ... أُبشرك فقد حصلنا على وعد من مديرية الكشافة والمرشدات في وزارة التربية بتوفير البدلة لك مجاناً خلال الأيام القليلة القادمة ... وبالتالي أنت منذ الساعة عضو في فرقة الكشافة وعليك المباشرة بحضور اجتماعات ونشاطات الفرقة بعد الدوام .... فرحت أيما فرح وكذلك زملائي أعضاء الفرقة ومكثت بضعة أيام أشارك في نشاطاتهم لأفاجىء بعد أيام قليلة بالإستاذ عمر عيد يخبرني بأسف شديد بأن جهود تدبير البدلة الكشفية لي قد تعثرت ...

كذلك لا أنسى يوم تم استدعائي من غرفة الصف من قبل أحد الأساتذة ليخبرني بأنه سيتم منحي "بلوزة صوف" من قبل حملة معونة الشتاء وطلب مني أن أتبعه .... كان يسير أمامي في الممر الطويل بإتجاه غرفة المعلمين وكنت أتبعه ينتابني الخجل والحرج والإرتباك ... اقتربنا من الغرفة وإذا بي ألمح "أبو مصطفى" صاحب محل البالة "الملابس المستعملة" يقف في وسط الغرفة باسطاً عدداً من "البلايز" المختلفة الألوان على الطاولة ... صعقت من المنظر ... وثارت نفسي غاضبة ولسان حالها يقول ... تباً لكم تريدون مساعدتنا بطريقة فيها الكثير من كسر النفس والإذلال وتستكثرون علينا بلوزة جديدة غير مستعملة .... وقفلت راجعاً من فوري إلى الصف متجاهلاً صوت الأستاذ وهو ينادي علي وقد تملكته الدهشة والإستغراب ....

استقبلت العام الدراسي لهذه السنة بكثير من النشاط والحماس ... فالسنة مختلفة ومفصلية .... وهي سنة "امتحان المترك" لطلبة الصف الثالث الإعدادي ... حيث يقدم الطلبة امتحاناً عاماً شبيهاً بإمتحان الدراسة الثانوية "التوجيهي" ... وله نفس الإجراءات والطقوس فهناك امتحان "تجريبي" يتبعه بعد شهر أو نحوه امتحان الوزارة العام ... وبعدها إعلان النتائج من الإذاعة ومن خلال الصحف اليومية ... امتحان هام من يجتازه يتأهل لإستكمال الدراسة الأكاديمية ويدخل المرحلة الثانوية ... فيما يعني الإخفاق فيه نهاية المسيرة الدراسية ...

كنت في الفرع التجاري وكان هناك فرعين آخرين هما الزراعي والصناعي وكنت أحب مادة التجارة حباً جماً وخاصة الجزء الخاص بالمحاسبة وإعداد حساب الارباح والخسائر والميزانية العمومية ... وكنت انسجم كثيراً مع معلم المادة الأستاذ سعود الخرابشه ... والذي كان كثيراً ما يحدثنا عن إقامته وعمله في بلدة أريحا قبل حرب حزيران وكيف نزح هو وعائلته مع النازحين أثناء الحرب ....

لقد كنت أعي أهمية هذه السنة وقد عزمت منذ بدايتها على العمل بجد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً لتحقيق نتيجة مشرفة هذا العام ... واظبت على الدراسة والمتابعة المستمرة للمواد ..... فكنت في النهار اراجع دروسي تحت الأشجار الحرجية الوارفة الظلال على مدخل المقبرة القريبة من حارتنا .... أما في الليل فالدراسة على ضوء عمود الكهرباء في الشارع القريب .... فبيتنا ذو الغرفة الواحدة بلا كهرباء .... ولم تكن تبدد عتمة الليل فيه سوى الأنوار الخافتة المنبعثة من لمبة الكاز "لامظة نمرة 4" المعلقة في زاوية الغرفة .....








طباعة
  • المشاهدات: 1816
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
13-09-2022 04:35 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم