03-07-2014 09:03 AM
سرايا - سرايا - أمر السلطان ( محمد الفاتح ) ببناء أحد الجوامع في مدينة ( اسطنبول ) وكلف أحد المعمارين الروم واسمه ( إبسلانتي ) بالإشراف على بناء هذا الجامع ، إذ كان هذا الرومي معمارياً بارعاً.
وكان من بين أوامر السلطان : أن تكون أعمدة هذا الجامع من المرمر وأن تكون هذه الأعمدة مرتفعة ليبدو الجامع فخماً ، وحدد هذا الارتفاع لهذا المعماري ...
ولكن هذا المعماري الرومي – لسبب من الأسباب – أمر بقص هذه الأعمدة ، وتقصير طولها دون أن يخبر السلطان ، أو يستشيره في ذلك ، وعندما سمع السلطان (محمد الفاتح) بذلك ، استشاط غضباً ، إذ أن هذه الأعمدة التي جلبت من مكان بعيد ، لم تعد ذات فائدة في نظره ، وفي ثورة غضبه هذا ، أمر بقطع يد هذا المعماري ! ومع أنه ندم على ذلك إلا أنه كان ندماً بعد فوات الأوان ...
ولم يسكت المعماري عن الظلم الذي لحقه ، بل راجع قاضي اسطنبول الشيخ ( صاري خضر جلبي ) الذي كان صيت عدالته قد ذاع وانتشر في جميع أنحاء الإمبراطورية ، واشتكى إليه ما لحقه من ظلم من قبل السلطان ( محمد الفاتح ) ...
ولم يتردد القاضي في قبول هذه الشكوى ، بل أرسل من فوره رسولاً إلى السلطان يستدعيه للمثول أمامه في المحكمة ، لوجود شكوى ضده من أحد الرعايا ..
ولم يتردد السلطان كذلك في قبول دعوة القاضي ، فالحق والعدل يجب أن يكون فوق كل سلطان ...
وفي اليوم المحدد حضر السلطان إلى المحكمة ، وتوجه للجلوس على المقعد قال له القاضي : لا يجوز لك الجلوس يا سيدي … بل عليك الوقوف بجانب خصمك !!
وقف السلطان ( محمد الفاتح ) بجانب خصمه الرومي ، الذي شرح مظلمته للقاضي ، وعندما جاء دور السلطان في الكلام ، أيد ما قاله الرومي ..
وبعد انتهاء كلامه وقف ينتظر حكم القاضي ، الذي فكر برهة ثم توجه إليه قائلا: حسب الأوامر الشرعية ، يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصاً لك !!
ذهل المعماري الرومي ، وارتجف دهشة من هذا الحكم الذي نطق به القاضي والذي ما كان يدور بخلده ، أو بخياله لا من قريب ولا من بعيد ، فقد كان أقصى ما يتوقعه أن يحكم له القاضي بتعويض مالي .. أما أن يحكم له القاضي بقطع يد السلطان ( محمد الفاتح ) - فاتح القسطنطينية - الذي كانت دول أوروبا كلها ترتجف منه رعباً ، فكان أمراً وراء الخيال … وبصوت ذاهل ، وبعبارات متعثرة قال الرومي للقاضي ، بأنه يتنازل عن دعواه ، وأن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط ، لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئاً ، فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية ، لكل يوم طوال حياته ، تعويضاً له عن الضرر البالغ الذي لحق به ..
ولكن السلطان ( محمد الفاتح ) قرر أن يعطيه عشرين قطعة نقدية ، كل يوم تعبيراً عن فرحه لخلاصه من حكم القصاص.