24-10-2009 04:00 PM
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد خلق الله أجمعين
كم من مرة سمعنا هذا المثل يضرب لنا ونحن صغار .. فلا نكاد نفقه ما يريد الآخرون أن يقولوه لنا ..
هل يقصد بذلك أن جميع الناس الأصحاء يرتدون تيجانًا فوق رؤوسهم؟ لكننا لا نراها.
لأننا لسنا مرضى وحدهم المرض يستطيعون أن يروا تلك التيجان .. ويرى هل هي جميلة أم لا؟..
وحدهم المرضى من كنا نظن أنهم يتمتعون بهذه الخاصية السحرية التي تجعلهم يرون ما لا يراه الآخرون .. فأحيانا نتمنى أن نكون نحن المرضى لتصبح لدينا هذه الهبة التي لا تمنح إلا للمرضى..
ولنمتلك تلك العين السحرية التي ترى ما لا يراه الأصحاء منا .. لكننا حين نمرض كنا ننسى ذلك القول وذلك التاج .. حتى أننا لا نفكر حينها إلا بالنوم والراحة فقط.
أتذكر هذا القول دائمًا.. وخاصة حين يتملكني الصداع الكئيب .. ويكاد يقضي على كل مداركي وأحاسيسي .. أتذكره وأنا أرى الآخرين يتحركون ويسيرون وفقا لما سيرتهم عليه حياتهم .. بحب .. بمرح.. بتفاؤل.. الآخرون يعيشون حياة لا يمكنني وأنا مغلف بهذا الألم الرهيب أن أمارسه أو أفكر حتى في ممارسته.. لحظتها فقط أرى تلك التيجان التي لم أستطع رؤيتها وأنا طفل.
أراها تبرق وتلمع فوق رؤوس كل الأصحاء .. أراها في ابتساماتهم الودودة .. وفي مرحهم وصخبهم .. في حبهم للحياة وتقبلهم لكل شيء فيها ..
أرى الضحكة التي لا أستطيع إطلاقها بسبب تلك الآلام المبرحة .. أراها في انطلاقهم إلى العمل .. وفي خوضهم لكل التجارب والمعارك دون كلل أو ملل .. أراها في خطوهم .. وفي علاقتهم بأبنائهم .. في أسئلتهم التي لا تنتهي.. في إجاباتهم المتكررة .. في اهتمامهم بأنفسهم .. وأتطلع إلى رأسي الموجوع في المرآة .. فلا أرى أي تاج ولا أري بريق ..
حين ذلك فقط أدرك أن للصحة تاجها الذي يجب أن نحمد الله عليه ونشكره ليلا ونهارًا .. حقًا .. لا يعلم قيمة ذلك التاج ولا يراه إلا المحروم منه .. ذلك الموجع الفاقد للقابلية على مواصلة الضحك والابتسام.
نعم .. للصحة تاجها الذي لم تلمسه أي يد بشرية .. ولم يصمم في دور المجوهرات العالمية .. ولم يعرض في النشرات الإعلانية والإخبارية .. ولم يعرض يومًا للبيع في المزادات العلنية.
ذلك التاج الذي صاغته قدرة إلهية كبرى .. وضعت فيه كل الموصفات والمقاييس الصحية التي لا تستطيع إنجازها كل مصانع الأدوية العالمية على شتى ماركاتها وعلاماتها التجارية .. تاج لا يقاس بالموازين .. ولا بالمكاييل .. ولا بالقيراط .. ولا بأي وزن تبيحه المنظمات الدولية والعالمية.
إنه تاج إلهي من صنع الخالق الجبار الذي لا يمكننا أن ننكر عليه هذه الهبة الكريمة .. ولا يمكننا إلا أن ندعوه بدوامها ودوام ذلك التاج على كل الرؤوس .. حتى وإن لم نتمكن من رؤيته .. وحتى يظل المجتمع دائمًا سليمًا ومعافى من كل سوء.
عندما تشتاق لمجرد رشفة صغيرة من الماء دون أن تملك حق تجرعها إلا بإذن الطبيب وعندما تهفو النفس إلى ابسط الأطعمة دون أن تجرؤ على مجرد اقتراب منها أو حتى لمسها، وقتها تذكر نعمة الله التي من بها عليك بصحة البدن لتأكل وتشرب ما تشتهي النفس، وعافية الجسد لتجري وتركض كيفما تشاء، وتصحو وتنام عندما يحلو لك دون أية منغصات من ألم أو مرض أو متاعب صحية.
من يمر بتجربة المرض تتغير نظرته تماما الى كل تلك الأشياء التي كان يتصور أنها عادية ولم تكن تستوقفه يوما أو تسترعي انتباهه، وعلى الرغم من أننا جميعا معرضون للمرض وأننا عايشنا ونعايش التجربة يوما ما مع أحد أحبائنا أو أقاربنا أو معارفنا، وهو بالطبع أمر يشعرنا ولو لأيام أو ساعات أو ربما لحظات بما نحن عليه من صحة إلا أن الإنسان سرعان ما ينسى ذلك ويعود إلى طبيعته وممارسة حياته بشكل طبيعي دون أية منغصات إلى أن يفاجأ يوما ما انه أسير مرض ما ربما يكون مزمنا، أو أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش بعضا من الوقت، وقتها فقط يستشعر بقوة قيمة ما كان عليه من نعمة لم يكن ليدرك أهميتها.
الصحة نعمة لا يدركها إلا من افتقدها لبعض أو كل الوقت، وهي دعاء يتمتم به اللسان وتترجاه النفس التي ترقد أسيرة فراش المرض لا حول لها ولا قوة مادامت تلك الأنابيب التي تحيط بالجسم الهزيل مغروسة في ثناياه تمده بالغذاء والدواء، الصحة قوة تشتاق إلى حدودها الدنيا عندما لا تستطيع أن تحرك قدميك أو حتى أن تلبي ابسط احتياجاتك إلا بمساعدة الآخرين.
الصحة كنز تتمناه في قرارة نفسك وأنت محروم من التنقل والتجول ولو في أضيق الحدود إلا بعد انتهاء فترة العلاج وما يتبعها من نقاهة.
إن المرض تجربة مريرة وأليمة لا يلمسها إلا من كابد معاناته، والمرض انهزام للنفس والبدن معا، فعندما تعتل الصحة ويشعر الإنسان بالوهن والضعف وعدم القدرة على مواصلة الحياة إلا بمساعدة الآخرين وقتها يشعر بالعجز وهو ما يولد آلاما نفسية تجعل المريض في حالة من الضعف الانساني التي لا يداويها إلا قلوب المحبين الذين يحيطونه بالرعاية والاهتمام، وهنا يتأكد المرء منا من طيب ما غرست يداه إن كان خيرا أم لا فالالتفاف حوله لهو خير برهان على انه يحظى بمساحة من الأهمية في نفوس أهله وأصدقائه وزملائه الأمر الذي يعضد من نفسية المريض ويمدها بمزيد من القوة التي تدفعه لمقاومة المرض.
وبالتأكيد فان العكس ما يحدث عندما يعاني المريض تجاهل ولامبالاة من حوله، ولذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حثنا في مواضع كثيرة على ضرورة زيارة المريض والسؤال عنه باعتبارهما احد حقوق المسلم على أخيه المسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس، ومن هذا المنطلق يكون وقع الزيارة على نفسية المريض وأهله طيبا، باعتبار أن المرء في أوقات الشدة يحتاج بقوة إلى من يربت على كتفيه ومن يشد بقوة على ساعديه، الأمر الذي لا يترك فقط أثرا طيباً في النفس بل أيضا شعوراً بالامتنان لكل من بادر وسأل وزار وقدم المساعدة للمريض.
محنة المرض تذكرنا أيضا بمدى إيماننا بالله سبحانه وتعالى وبقدرته عز وجل على درء ما يحيق بنا من مخاطر يقول تعالى: وإذا مرضت فهو يشفين، وإذا تأملنا حالات كثيرة من المرضى لوجدنا انه سبحانه وتعالى رحيم بعباده وانه عندما يقدر لهم شيئا فإنه يعوضه بأشياء أخرى، فقد يكون ذلك في تخفيف ألم المريض أو أن يمن عليه بالشفاء سريعاً أو أن يهيئ له ظروفا مواتية حتى يتعافى بإذنه.
الثقة بالله تدفع المريض دفعا نحو تجاوز آلامه النفسية وضعفه البدني ثقة بالشفاء، فليكن الدعاء خير معين وليكن دعاؤنا ( اللهم اشفنا وعافنا واشف كل مريض.
اكرم الخطيب
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-10-2009 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |