08-07-2009 04:00 PM
قبل حوالي اربعين عاما ، وقد كنت طالبا في الصف الاول الثانوي ، انتقلت حديثا من بلدتي السماكية حيث لا صفوف ثانوية الى الكرك ، وعاش الاردن تلك الفترة، اياما سوداء لا احدا يحب تذكرها ، سكن بجوارنا المaرحوم فيصل جريس الخيطان الهلسة ، وقد كان حينها شابا اعزبا ، جمع اليه في السaكن عددا من اخوته ، وقد عاش الشباب الاردني تلك الايام ، حالة من التلاحم مع العمل الفدائي ، ايمانا منه بقومية المعركة مع العدو ، وبان العدو مشترك ، يتهدد مصير الاردن كما فلسطين والامة العربية ، فكان الحماس الشبابي الاردني لهذه الظاهرة التي بزغت بعد ليل هزيمة حزيران الاسود ، حماسا صادقا يعبر عن ايمان بوحدة الامة ووحدة اهدافها ومصيرها .
كان المرحوم فيصل احد ابرز المنتمين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهي فصيل ضمن عدد كبير من الفصائل التي تواجدت في الاردن ، واستقطبت الشباب الاردني ، بنفس حماس الشباب الفلسطيني ، في زمن كانت تسود فيه البراءة النضالية والثورية ، قبل ان تتشوه المسيرة ، ويزيدها تشوها ثقافة الدولار .
كان المناضل المرحوم مشعل هلسة ، احد اخوة فيصل ، الى جانب نمر وضرغام وصايل ، وكانوا جميعا طلابا في المدارس على ما اذكر ، اقتصر دورهم على التعاطف مع العمل الفدائي ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ، لم ارى مشعل ونمر ، بينما التقيت ضرغام واخيهم الاصغر الدكتور صايل ، بعد سنوات طويلة ، في عدة مناسبات .
انتهت تلك الايام السوداء من تاريخ الاردن ، وانتهت تلك الحالة الشاذة التي عاشها ، وعاد الوضع الى حالته الطبيعية ، وافترق الجيران ، وذهب كل الى سبيله ، واصبحت تلك الايام مجرد ذكريات ، اما من عاش الانتماء للعمل الفدائي ، فقد منحته السنوات اللاحقة بهدوءها وسكونها ، القدرة على تقييم سلبيات المرحلة الماضية ، وممارسة النقد المرير لها ، وبالنتيجة كانت الاغلبية الساحقة قد اتعظت من تلك التجربة ، واصبحت اكثر بعدا عن التفكير بتكرار مثيلاتها .
في اوائل الثمانينات ، او اواخر السبعينات ، وقد كنت طالبا في جامعة دمشق ، فوجئت بمعلومة عن ضرغام هلسة ، وبان راية النضال مع الجبهة الشعبية قد انتقلت اليه والى اخوته الاخرين ايضا الى جانب اخيهم الاكبر فيصل ، ثم علمت بعد سنوات ، عن اسر المرحوم مشعل في معسكر انصار في لبنان ، عقب مشاركته في القتال في صفوف الفدائيين ابان غزو لبنان عام 1982، كما انه سبق ان شارك في القتال الذي اعقب غزو لبنان عام 1978 على ما اذكر ، والذي اعقب بدوره العملية التي نفذتها الشهيدة دلال المغربي ، ولقد اثارت تلك المعلومات الجديدة استغرابي واعجابي ، بهذا الانتماء العائلي الكامل او شيه الكامل ، فانا كما قلت سابقا ، لم التقي منهم الا ضرغام ، وفي السنوات الاخيرة صايل ، وضرغام معروف حاليا بعضويته القيادية النشطة ، في حزب الوحدة الشعبية .
لا اخفي دهشتي من هذا الانتماء الذي لم يتخلخل لاربعة عقود ، بل يبدو انه يزداد صلابة ورسوخا ، وذلك لثلاثة اسباب ، اولها ان العقود الاربعة ، بتجاربها المريرة ، هي كفيلة بان تولد اجيالا وتلغي اجيالا من المنتمين لتيار سياسي معين ، فالمعروف ان العرب ، لا يصمدون متحدين في موقف ما طويلا ، فالخلافات التي تدب ، كفيلة بتمزيق الممزق ، وثانيهما ان هذا الانتماء اصبح عائليا بامتياز ، وربما انتقل الى الابناء ، وثالثهما ان هذه العائلة اردنية ، نبتت من بلدة حمود المجاورة لبلدتي السماكية في محافظة الكرك ، عاشت فلسطين في وجدانها ، لتشكل ظاهرة نبيلة ، معبرة عن حقيقة الانتماء القومي الاصيل لابناء الاردن .
هذا الانتماء الاردني لفلسطين ، دفعني لاستذكار الكثير من المناضلين الاردنيين ، وبما ان الحديث عن عشيرة الهلسة ، فقد عادت بي الذاكرة الى اوائل السبعينات ، حين شاركت المناضلة تيريز هلسة ، ابنة الكرك التي ترعرعت في عكا ، مع رفيقتها ريما العيسى ، ورفيقيها الشهيدين الاخرين ، بعملية خطف طائرة اسرائيلية تابعة لشركة سابينا في مطار اللد ، كما عادت بي الذاكرة الى عام 1956 ، حين انتخب ابناء القدس ، الدكتور المناضل يعقوب زيادين ، ابن السماكية في محافظة الكرك ، ممثلا لهم في مجلس النواب ، مفضلين اياه على مرشحين اخرين ، من اعرق عائلات القدس .
هذه صفحات ناصعة ، من تاريخ التلاحم الاخوي الاردني الفلسطيني ، نتمنى ان تظل ماثلة امام الاذهان ، وامام كل من يحاول زرع الفتن ، واستعداء الشقيق على شقيقه ، وليرحم الله الفقيد مشعل هلسة ، ويلهم اهله ومحبيه الصبر والعزاء .
m_nasrawin@yahoo.com
08/07/2009
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-07-2009 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |