30-05-2024 04:54 PM
بقلم :
سرايا - كتب العقيد المتقاعد محمد الخطيب -
سيدتي جلالة الملكة رانيا حفظك الله،
أُبادلك التحية التي حييت بها الخريجين والاهالي والهيئات الادارية والتدريسية فسلام عليك ورحمة الله وبركاته، فلقد بدأت خطابك بالتحية التي ميزنا بها الله عن غيرنا من الأُمم، ولك الثواب وهي بمثابة عمل تتقربين به الى الله واستجابة لأمر رسوله الكريم، ولك بالمثل ثلاثون حسنة من الله.
بداية خطابك بتحية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تنم عن سعة اطلاعكم ومعرفتكم برسالة النبوة، فالرحمة والسلام جوهر رسالة الإسلام.. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
وبالفعل ما احوجنا اليوم الى الرحمة في هذا العالم الخالي من الانسانية، في مجتمع دولي اعمى متعصب يكيل بمكيالين، فكان اول خطابك تعليم المجتمع بضرورة التراحم فيما بينهم.
ثم وقفتي امام الطلاب والهيئات المدرسية والاهالي، ليس كملكة فقط بل كأًم رؤوم تُسدي النصيحة لابنائها، أُم اردنية عربية تتحلى بأخلاق الاسلام السمحة، الأم العربية الاردنية التي تعطي ولا تنتظر المقابل، وتتحمل مشاق الحياة وآلامها، ونحن كأردنيين لمسنا وشاهدنا على ارض الواقع تربية جلالة الملكة لابنائها، ونثني على اسلوبها في حياتها كزوجة وأم؛ رأينا التفاني والعطاء في التربية التي مزجت بين الحداثة والعصرية والعادات والتقاليد الاردنية العربية الاصيلة.
واكبنا مع القصر الملكي تنشئة ولي العهد سمو الامير الحسين وسمو الاميرة ايمان وسلمى منذ طفولتهم حتى التحاقهم بالمدارس والجامعات والمعاهد العسكرية، وحتى احتفالات القصر بزواج سمو ولي العهد الحسين وسمو الاميرة ايمان، من خلال الصور التي تم نشرها من قبل جلالة الملكة رانيا. فنعم التربية ونعم المُربي والمربية، جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله.
كما تضمنت رسالتك ان الانسان مهما وصل به العمر يبقى يدرس ويتعلم ويأخذ دروسا من الحياة. وبطريقة ذكية ألمحت في خطابك للطلاب، لما يعانوه الطلبة في مدارس قطاع غزة منذ اكثر من 8 اشهر وهم تحت القصف وعمليات التهجير والابادة وهدم المدارس والجامعات، ومع ذلك يتلقون العلم في الخيم والمخيمات في العراء تحت حر الشمس وبرد الشتاء، فيما ينعم باقي طلاب العالم في الرفاهية والراحة ووسائل التعليم المتقدمة.
تلك رسالة من جلالتك الى الطلبة ليحمدوا الله على النعم، وبنفس الوقت تذكير الطلبة باخوانهم في قطاع غزة، ممن ارتقوا شهداء واخرين بين جريح ومصاب، وتسليط الضوء على معاناة الطلبة هناك، الذين امسوا بلا احلام ولا طموح ولا آمال.
كما خاطبتم العالم أجمع من خلال طلاب المدرسة الخريجين عن شعور القهر والخذلان وخيبة الامل، من مجتمع دولي يكيل بمكيالين ويتعامل مع جهة على حساب جهة اخرى، حيث وصفتيه بعالم فيه الكثير من المتناقضات، ورأينا نحن والعالم والطلاب الخريجين ايضا بأُم أعيننا كيف ان دول كانت تتغنى بالسلام والديمقراطية وترتدي ملابس الملائكة وتنادي بحقوق الانسان، لكنها تنتج حربا، بل تفتعل الازمات في العالم العربي وافريقيا وتخلق النزاعات، لا لشيء بل لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب ارواح مدنيين ابرياء.
كم كان وصف جلالتك رائعا، حين وصفتيهم بالانتقائية، وازيد عليه وصفا اخر وهو فقدان البصر والصمت حين يتعلق الأمر بحقوق العرب واصحاب قضية مثل الاشقاء في فلسطين وقطاع غزة.
وأقتبس هنا جملة لجلالتك" لكن من خيبة الأمل تنبت العزيمة" وتذكرت عبارة الدكتور مصطفى محمود: "لا يشبع أهل الأمل من خيبة الأمل"، فرغم خيبة أملنا بالغرب والعالم، بمواقفهم المعيبة تجاه الاهل في غزة، الا أن احداث غزة استطاعت كما قلتي يا جلالة الملكة ان تحرر الكثيرين حول العالم من وهم الانبهار بالغرب وتفوقه على شعوب الأرض.
وتعلمنا من خطابك امام خريجي المدرسة بأن لا ننبهر ابدا فيما نراه من تقدم وتكنولوجيا وحضارة، وبنى تحتيه في اي مجتمع ما لم يرافق ذلك قيم واخلاق وانسانية. فأحداث غزة تحديدا ازاحت غشاوة كبيرة من امام اعيننا، فكم كنا منبهرين بالغرب وتقدمه وحديثه المستمر عن حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وتبين لنا زيف ذلك امام ما نراه من مواقف المجتمع الدولي في الوقت الحاضر.
في رسالتك سيدتي الملكة، ركزتي على الاخلاق والقيم، واستذكر هنا ان دولة بحجم الصين شيدت سور عظيم لتفادي الغزوات الخارجية، لكن تم غزوها بخيانة من الداخل، لانهم استطاعوا تلك الفترة ان يبنوا سورا عظيما ونسوا اهم شيء وهو بناء الانسان.
خطابك الملهم سيدتي الملكة يتضمن رسالات كثيرة منها ضرورة التمسك بقيم التسامح والتعايش والانسانية والتعاليم السمحة، والعدل والأمانة والفخر بهويتنا العربية ولغتنا الغنية بالمفردات التي تعجز عنها باقي لغات العالم.
وخطابك سيدتي موجه لكل مؤسسات الدولة لإعادة النظر في برامجها وخططها الموجهة للنشىء الجديد لبناء نشىء جديد في مجتمعنا الاردني فخوربعروبتهم ووطنيتهم وقيمهم، والاعتزاز والتباهي بأنه عربي دون خجل او خوف.
لقد أردت سيدتي الملكة ان تعيدي الألق للغتنا العربية الفصيحة الفخيمة ولغة الشعر والفنون، ولطالما ساهمت اللغة العربية في نقل العلوم والمعارف، وكما قال القائل : إِنَّ الَّـذي مَلَأَ اللّـغاتِ مَحـاسِناً.. جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضّادِ"..
في خطابك سيدتي الملكة توجيه غير مباشر لوزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب ومؤسسات المجتمع المدني لتتضمن خططهم ومناهجهم برامج تربط شبابنا والنشىء الجديد بأرضه وتاريخه وقوميته وهويته.
في النهاية ..نعم الجيل الجديد هم أهل العزم، ونحن نستمد العزم والقوة من حكمة سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني.
وسنبقى ان شاء الله فخورين بوطننا وقيادتنا، وسنكون كهذا البلد الشامخ، إنسانيته لا تعرف قيدا أو شرطا، ينشد السلام ويسعى إليه، بابه واسع ومفتاحه الرحمة.