19-10-2020 08:44 PM
بقلم : العقيد المتقاعد مهند سلطان الشريدة
كلنا يعلم تماما ان الصراع بين الخير والشر .. العدل والظلم .. الرغبة والمقاومة.. الانضباط والتسيب والطمأنينة والخوف صراعا ازليا لا ينكره احد .. ولا يمكن لأي مجتمع كان مهما تحصن ومهما اتخذ من اجراءات وقائية.. ان يصل الى مجتمع خال تماما من الجريمة.. فالمسالة لا تتعلق بقوة الدولة وجاهزيتها وامكاناتها وقدراتها فقط.. بل هنالك عوامل عديدة متداخلة تضع القواعد الامنية للدولة وتحدد مستوى الأمان والطمانينة فيها.. ولذلك فليس المطلوب من الدوله وقف الجريمة بشكل نهائي فهذا أمر غير ممكن اطلاقا.. وانما المطلوب هو تجفيف متابعها ومعالجة اسبابها ورصد متغيراتها وضبطها ما امكن.
نحن لا نتحدث هنا عن جريمة الصدفة التي تكون وليدة لحظتها... كحالة الدفاع عن النفس.. او تحت تأثير حالة من الغضب الشديد.. او نتيجة خطأ غير مقصود. - وهي ظروف بالتأكيد لا تبرر ارتكاب الجريمة - وانما نتحدث عن الجريمة التي يرتكبها الفاعل وهو مدرك لمخاطرها دون اي اكتراث بتبعاتها ودون مراعاة لنتائجها وقد يصل به الأمر الى ارتكابها جهارا نهارا وعلى مرأى من الجميع وبدم بارد وقد تصل درجة اللامبالاة لديه الى ان يقوم بتصوير الجريمة ونشرها بنفسه.
هكذا جرائم نكراء تحمل في مضامينها تحدٍّ سافر للدولة ولكافة سلطاتها واجهزتها وقوانينها وانظمتها وللراي العام ايضا وتخلق حالة من الشك بقدرة الدولة علي ضبط الوضع الأمني وتأمين الحماية المطلوبة للمواطنين هو أمر من شأنه زعزعة الامن والاستقرار وبالتالي تفشي الجريمة بكل اشكالها. فذا خائف مرعوب وذاك يائس من قدرة الدولة على حمايته والآخر يتلاعب بهذا وذاك مما يقود الى التفكير بالدفاع عن النفس او الممتلكات بقوة السلاح لابقوة الدولة التي لم تتعامل مع قضيته كما يجب ولم تؤمن له الحماية المطلوبة. وهنا يتفشى الظلم والتحكم بارواح وارزاق العباد واستغلالهم وابتزازهم بشتى الوسائل والسبل.
وعودة الى ذلك المجرم .. ترى كيف وصل به الامر الى هذه الدرجة من الاستهتار والا مبالاة رغم ادراكه ويقينه انه ستتم ملاحقته والقبض عليه؟؟ ..والسوال هنا؛: هل تشكلت لديه قناعة بانه قد يفلت من العقاب او انه يعلم بان عقابه لا يتناسب مع مستوى وخطورة وآثار وتبعات جريمته أو ان هناك من يقف خلفه ويطمئنه ويؤمن له الحماية والدعم ويتكفل باخراجه من هذا المأزق او انه يمارس الضغط تهديد اصحاب القرار المتعلق بقضيته فتكونت لديه حالة من التساهل والاستخفاف بما يرتكب من افعال وجرائم مهما بلغت خطورتها وبشاعتها. ام ان السسب الأهم هو عدم ردعية العقوبة بالشكل الكافي الذي يحقق الغاية المرجوة منها.. أم لنقل كافة هذا النقاط وغيرها مما لم يتم ذكرها ؟؟ .
خلال خدمتي في الأمن العام /ادارة العلاقات العامة والاعلام الامني كان لي وجهة نظر في العديد من الامور المتعلقة بالواجبات الامنية ودور مؤسسة الامن العام في التصدي للجريمة والتوعية والتثقيف وخلق مجتمع واع بحقوقه وواجباته. ملتزم بها عن طيب خاطر وبرغبة منه.
كنت اقول دائما ان الاعلام الامني الحقيقي ليس تلك البرامج والرسائل التي نقدمها للمواطن والتي تركز غالبا على تطور جهاز الامن العام واستحداثاته والخدمات المقدمة للمواطنين وتتغنى بانجازات اداراته المختلفة.
الاعلام الحقيقي هو رجل الشرطةالحقيقي الذي يتعامل معه المواطن في الميدان.. هو الشرطي الذي يقف على بوابة المركز الأمني هو رقيب السير والدوريات الخارجية ومرتب المطار والاقامة والحدود والتنفيذ القضائي والبحث الجنائي وغيره من مقدمي الخدمة الامنية وممن يكون لهم احتكاك مباشر مع المواطن.
فما معنى ان نعرض مشاهد لرقباء السير مثلا وهم يؤدون واجباتهم ليل نهار في الحر والبرد تحت أقسى الضروف وبذات الوقت وعلى ارض الواقع يتفاجأ المواطنون لدى ترخيص مركباتهم بذلك الكم من المخالفات المحررة بحقهم دون وجه حق في الوقت الذي يكلفهم عناء الاعتراض عليها من الجهد والوقت والمصاريف ما يعادل او يفوق النتيجة.
ما معنى ان نعرض احصاءات الجرائم والقضايا المكتشفة وبذات الوقت نقدم شكوى ولا تتابع ونبلغ عن سرقة ولا تأخذ الاهتمام الكافي.. حتى ان الأمل بات مفقود باعادتها.
ما معنى ان تفرض الأتاوات وتعم الفوضى وييبتز المواطن ويتم تبليغ الجهات المعنية وتقديم الشكاوى. ولكن لا حراك ولا اجراء يؤخذ. على ارض الواقع.
ما معنى ان لا يتدخل رجل الشرطة بجريمة او حادثه وقعت امامه ويقف موقف المتفرج منها دون ان يحرك ساكنا.
لا اقصد بهذا ان اسيء لجهاز عريق تشرفت بالخدمة فيه طيلة ثمان وعشرين عاما وله الفضل علي وعلى زملائي وعلى جميع من انطووا تحت لوائه المقدس .. ولكنني اعود واكرر بان العمل الامني يجب ان يستند الى برامج وخطط ودراسات وان يتم تحديد الاولويات والاجراءات وتنفيذها لها بشكل احترافي متقن.
ان رجل الشرطة الذي يناط به واجب التصدي للمجرمين والتعامل معهم في الميدان ان يجب ان يكون ذو مواصفات خاصة وان تكون له هيبة وحضور وان يتمتع ببنية جسدية قوية وملفته وواضحة فواجبه ومهامه تختلف عن مهام زملائه الاداريين الذين يقومون بواحباتهم ويديرون اعمالهَم من داخل مكاتبهم واداراتهم. وقد حصلت امامي مواقف تسيء لصورة الامن العام وليس من الانصاف ان الوم رجل الشرطة عليها حين يكون جسم خصمه يعادل ضعف جسمه او يزيد وحين يكون تدخله لفض نزاع او شجار ما إحراجا له لعدم قدرته جسديا على فرض وجوده وعدم تمكنه من السيطرة على طرف او احد اطراف النزاع ولتردده في استخدام القوة التي اجازها له القانون في مثل هكذا ضروف.
الحملة التي قام بها جهاز الامن العام مؤخرا تعتبر خطوة عظيمة في الاتجاه الصحيح رفعت من مكانة جهاز الأمن العام ومن رصيد محبته في قلوب المواطنين.. خطوة اثني عليها واشكر مدير الامن العام الذي تعامل بكل حزم ومسؤولية مع هذه القضية التي تعني الكثير الكثير للكثير من المواطنين والتي اعتبرها جوهر الرسالة الامنية.واوكد انه لا زالت امامنا خطوات عديدة للوصول درجة الأمن والأمان التي نرغنى بها وادى جهاز أمني نموذجي.
وللحديث بقية.
العقيد المتقاعد/ أمن عام
مهند سلطان الشريدة