25-06-2020 11:25 AM
بقلم : يوسف الطورة
على غير العادة فاجئني المارة بالتحايا والعناق ، يا سادة لم أكن مسافرا ورائحة التبغ تفوح من نوافذ المقهى الذي التقينا فيه البارحة يعج بأصوات الفقراء.
اصوات قطط الحي العابثة بكل شيء امام العمارة تغير مواءها الوانها ؛ اصوات اطفال الحي أعلى ، آخرين لم أعرفهم على حافة الشارع أقدامهم بلا حتى جراب ؛ صوت التلفاز عال - وأنكر الأصوات بعض السياسيين كما اتفقنا ذات لقاء عقباوي ان نصفهم.
لا شيء يشبهني اليوم في هذا المكان سوى مقهى " المعشر " حيث التقينا لأول مرة ، وفندق شارع الحمامات التونسية وبوابة العقبة وشارع الثالثة الفارغ من كل شيء إلا حيث إقامتك الأخيرة.
هل كان محمد صيام هنا ذات يوم وإنا اغط في النوم استوقفت سابقا لاسأله ؛ صافحني مكتفيا البقاء لله.
كم مرة يجب أن ننحني يا صاحبي ولا نتحول إلى قنطرة ان نقف ولا نتحول إلى يافطة ان نتجلس ولا نتحول لاريكة؛ ان نتكلم ونقول شيء يستحق الانتباه.
ذات يوم قال لي أحدهم حديثا لم افهمه في حينه .. اسواء شيء ان تعيش الغربة في اغتراب ، الآن الآن أدركت أن الغربة فاجعة تدركها على مراحل ولا يستكمل الوعي بها إلا بإغلاق ذلك التابوت على أسئلتك التي بقيت مفتوحة عمرا بأكمله ، ولن تكون يومها هنا لتدرك كم كنت غريبا قبل ذلك ولا كم ستصبح منفذا بعد الآن.
موعد القدر مع الفراق يا صاحبي اليوم أرقب النافذة فلا أجد سوى غبار الطرقات الذي يحملك والرصيف الذي قهره الغياب ؛ وسابقى اسأل بعد اليوم هل ستبقى العقبة نفسها بعد غيابك.
لا تنسى حقيبتك الموجودة في شقة صويلح الممتلئة ببعض افراحك على قلتها والكثير من احزانك واخفاقاتك المتكررة ؛ هوامش حياتك ضع فيها ما استطعت وداع الاحبة حزنهم عليك قبلات شقيقة في زيارتك الأخيرة التي تمنيت أن لا تغسل جبينك بعدها عاما لترافقك في سفرك الأخير أيضا.
امس أخبرني شقيقي نايف بمحادثة مختصرة " صيام يا يوسف في ليلته الأخيرة ؛ أخبرني في آخر لقاء انه يحبك وليس غاضباً منك " ، تملكتني قشعريرة وندم ان اختلفنا في يوم.
وعدني ابا طارق يخبرك أنني أيضا أحبك واعتذاري حتى وإن كانت لا تستطيع سماعها والرد عليها.
رفيق الوجع وتعب السنين اوجعتني مرتين ؛ الأولى حينما اختلفنا لدرجة القطيعة والثانية رحيلك قبل أن اودعك.
اعدك ان لا انسى ابدا من اتعبونا يا محمد بوعودهم المهدورة وكم قتلوا فيك الرغبة في الحياة.
إلى رحمة الله يا صاحبي وإنا لله وإنا إليه راجعون