17-05-2020 11:11 PM
بقلم : فدوى خصاونة
إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون .
لقد كان الإنسان على اختلاف مراحله العمرية يميل إلى توجيهات وإرشادات ويبحث عن من يوجهه فيكون الأب والأم في الطفولة المرشد الأمين ، ويتغير المرشد تبعا للتغيرات العمرية .
وقد كانت الحاجة إلى التوجيهات هي حاجات أساسية كالحاجة الى الطعام والشراب فهي بمثابة خارطة و(gbs ) لتحقيق الهدف والوصول ، فمن منا لا يحتاج نصيحة أو دليل لمواصلة الحياة وتنفيذ المهام والأعمال بما يتماشى مع الخير والمصلحة ؟
التوجيهات بمعناها المثالي تصب في الفضيلة والنصيحة فالأب يوجه أبناءه ، والمعلم يوجه تلاميذه ، وكل هذا لتحقيق المنفعة والخير .
و في منظور السياسة يختلف الأمر فيصبح التوجيه تحكم وسيطرة لا نفع منه ولا فائدة إلا زعزعة ثقة الإنسان بنفسه و إبقائه تحت رحمة الشخص المتحكم .
فالشخص المتحكم هو الأكثر سيطرة ، وشيطنة ، وهيمنة؛ غايته وهمُّه الأول تحقيق النفع لنفسه دون اعتبار لاي تبعات وأضرار بالآخرين ؛ فالعجز عن السيطرة يجعل الإنسان يعيش لحظات من التشاؤم كما يؤكد ذلك الفيلسوف الارجنيتي أوغست ماريو .
فما أكثر المتحكِّمين في هذا العالم ؛ الزوجات متحكِّمات الآباء ،الأبناء ،المسؤولون كلهم يتحكمون !
وكل هذا نتيجة ضعف الطرف المقابل هو ضعف إدارة وتخطيط وضعف إرادة ؛
هو انهزام وخنوع وطأطأة . حتى يبدو العالم وفي ظل توجيهات عالمية وكأنه تحت تأثير تنويم مغناطيسي ليتحرك بالاتجاه المطلوب كيفما شاءت قوى التحكم وأينما شاءت .
نحن اليوم أمام ضعف حقيقي للإتسان بعد أن اجتاحت أزمة كورونا العالم وتحكَّمت بكل ميادين الحياة ؛ كورونا تحكَّم بالاقتصاد وحطَّمه وتحكَّم بالعلاقات الاجتماعية وصنع تباعد اجتماعي حقيقي ، وتحكَّم بالوضع السياسي فانغلقت الدول على نفسها .
كورونا تحكم بكل مجريات حياتنا .
وما كان هذا ليحدث لو كانت هناك إرادة ومواجهة وتحرير للعقول المسلوبة .
كان على الدول أن تخطط وتضع الأهداف والأولويات لبناء واستمرار الحياة والعمل والنهوض وممارسة طقوس العبادات والأعياد.
كان ينبغي على الدول أن تتعامل مع الازمة بشكل أكثر وضوحا ومرونة ليسجل مغادرة بأقل خسائر .
كان يجب على الدول أن تتحكم بفيروس كورونا وتفوِّت عليه فرصته بالكم الهائل من الخراب ؛ هذا الخراب الذي سيكلف الدول عقودا طويلة لإعادة بنائه.
كلمة يجب أن تقال كلُّ الدول فشلت في إدارة أزمة كورونا وكل الشعوب خضعت لمعطيات متناقضة فلم تكن الإجراءات متناسبة مع التصريحات ولا تستوعبها عقول البشر.
كل التصريحات كانت تبحث عن آلية تحصل بها على مردود مالي من الشعوب فقامت بحملات وإعلانات شعواء لتحقيق أهداف مختلفة باختلاف تطلعات الدول فبعضها أدار الأزمة سياسيا وبعضها اقتصاديا وبعضها دينيا وبعضها كان لها مآرب أخرى ، أو كما يقال في العامية : ( كل واحد بدير القرص على ناره ) ونار كورونا لن تخمد فتيلها إلاَّ بعد أن تخمد الشعوب وتستكين وتسير بالطريق المرسوم دون أدنى رفض ؛ نار كورونا لن تخمد ولن تكون سلام ولا برد على العالمين .
فأيُّ مفارقات عاشتها الدول وكأنهم يمشون مكبين على وجوههم ؟
ومهما يكن فإن ادارة الازمة على اختلاف الخطابات كانت تصبّ جميعها للسيطرة على الشعوب والتحكٌّم فيها .
يقول هتلر : إذا أردت السيطرة على الناس فأخبرهم أن حياتهم معرضة للخطر ثم ضع لهم تحذيرات .
وهذا ما حدث تماما في حرب كورونا فقد وضعت الدول قائمة تعليمات وقائية وحجروا وأعلنوا الإغلاقات داخليا وخارجيا وعاثوا في البلاد والعباد ليتم اقتطاع الاموال وتحت كل المسميات .
لقد حصرت الدول الحديث عن الوباء بكلمة كمامة ومخالط والتسويق عن بعد ؛ فكان الخطاب بعيدا كل البعد عن لبِّ الوباء فلم نشاهد تركيزا على لقاح أو علاج بل انصب الاهتمام بثمن الكمامات وحملات وتبرعات.
ولكنَّ الشعوب أدركت ومنذ البداية أن كورونا وباء وليس مشروع خيري .
نعم لقد غابت الحكمة وتحكَّم كورونا بالمشهد من أوَّله وحتى هذه اللحظة ونحن بانتظار كبسة زر واحدة لإنهاء الوباء المزعوم وها هو رئيس البرازيل يصرِّح : أن كورونا هو انفلونزا بسيطة مدعومة بحملة إعلامية شرسة.
ولا بد من الإشارة إلى تجربة السويد في إدارة الأزمة عندما راهنت على خروج الشعب للحياة والعمل والمدارس مراعية أقصى درجات الأمان بالتباعد دون أن تعلن هدفها من الوصول إلى مناعة القطيع بالوقت الذي أعلن الأطباء والمختصين أن المناعة ستتحقق ويراوح منحنى الإصابات ثبوتا أونزولا.
وتأتي منظمة الصحة العالمية التي لم تغيِّب المشهد السياسي في معركة كورونا للتتصدر اسرائيل المرتبة الأولى في حسن إدارة الازمة ؛ بالوقت الذي اعلنت إسرائيل عن تسجيل ما يقارب خمس عشرة الف إصابة .
ويبقى أن نقول أن الستائر باتت تتكشف عن لعبة كورونا كواحد من أقذر أوساخ السياسة التي عرفتها الإنسانية فتلاعبت بالعقول وصنعت برمجة عالمية لنظام الإنسان .