بقلم : فدوى خصاونة

أي بني وبعد حصار دام قرابة الشهرين وهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق توجه العالم لإعلان الإصابات صفر ومن بوابة العالم ومن واجهة القوة وقف علاء الدين على باب الكهف وقال إفتح يا سمسم فدخلت حشود الشعب إلى الحياة وتزاحموا على الأسواق ورأوا العجب العجاب ؛ رأوا أن الحياة مستمرة الشمس تشرق وتغرب والشجر يزهر ويثمر ورأو الربيع لا زال أخضر والسماء زرقاء صافية والنجوم فيها تلمع .

كل شيء كما هو إلا شي واحد تبدل وتغير وهو الإنسان،
وحاجياته،ومتعلقاته،وأفكاره،
ومعتقداته.

كورونا سيطرت على كل شيء الأسواق تبدلت والمحالات أقفلت والوجوه اسودَّت .

كورونا أعلنت حربا لا إتفاقية سلام فيها ، لا مجال لإعلان وقف إطلاق العنان للآمال والأحلام إنها حرب طويلة الأمد .

كورونا لا تريد أن تحتل أوطانا ولا تريد أن تستعبد البشر أو تسلب أو تنهب إنها تريد أن تغير سلوك البشر وعاداتهم تريد أن تقضي على آخر رمق لنزاع الشر و تريد أن تساوم على العافية التي سخرت للقتل والظلم والاستعباد .

كورونا تريد أن تصل بالبشرية إلى مرحلة الشيخوخة المبكرة وتكون حكيمة الحكماء ؛
فلا عاصم لك أيها الإنسان ؛ فأوي إلى الكهف وتقلب على جمر ورماد واستسلم لأمر كان مفعولا .

كهوف كورونا أشد تاثيرا من كهف أهل الكهف حيث انقطع البشر كلهم أجمعون عن المكان والإنسان وانفصلوا عن الواقع إجباريا وبكامل وعيهم ودونما خيارات .

أي بني في زمن الكورونا رائحة الموت شهية إنهم يريدون مزيدا من الموت ومزيدا من حصاد الأرواح ومزيدا من الفقر والجوع ومزيدا من الوباء وسائر الاسقام .

اي بني بعد أن حمل الوباء حقائبه وغادر وبطرف إصبعه ألقى بالإقتصاد إلى الهاوية واختلف معنى الغني والفقير القوي والضعيف ؛ فشهد العالم كله إنهيارا إقتصاديا غير مسبوق ، واستهلك رصيد العالم من المخزون الأستراتيجي لكل شيء ودونما إستثناء .

كورونا تحيك الوضع الاقتصادي بغرز مؤلمة ولربما قاتلة ولكن الصدمات تعيد الإنسان إلى رشده وتعيده سيرته الاولى فبعد العزل انعزل الإنسان وانعزلت الدول بمحاولة لحل الخيوط المتشابكة كل بمفرده وبمنأى عن الآخر .
.

حتى العلاقات الاجتماعية تدهورت فأصبح من العار أن نصل الأرحام ومن السخف أن نقيم حفل زواج أو بيت عزاء ،
أصبح من البلاهة أن نكرم الضيف .

والآن وبعد أن خرجت حشود الشعب أصبحت العلاقات متشرذمة ممزقة،والكل أصبح لديه اكتفاء ذاتي بنفسه الكل لديه مخزونه الإحتياطي من ذاته ؛ فغاب الانفصال عن الذات وأصبح الواحد أكثر شغفا وتعلقا بذاته ولأن الحياة إعتياد انفصل الواحد عن كل الروابط وأعلن الحجر الابدي والعزل الإنساني .

أي بني كورونا زاوج بين الخير والشر فجلب الخير للأرض ووجَّهت الإنسان للزرع للتين والزيتون ، للتراب الذي أنهكه الرصاص على مر السنين.

إنها كورونا يا سادة صنعت اختلاف ومسافات تقاس بالأمتار مكانياً ولكنها صنعت تقاربا فكرياً ونسجت نمطا وسلوكا موحَّدا بين أقطاب الكون .

سحابة كورونا كشفت السر في أضعف الخلق ؛ كشفت معنى الدول المتقدمة ومعنى الدول النامية ؛ إنها متقدمة بصناعة الوهم وخلق الأزمات متقدمة بتأخرها الأخلاقي ماذا فعلت الدول التي طالما حلمنا أن نصبح مثلها؟

خرجت بثقافة مناعة القطيع وخرجت بثقافة اختيار القدر خرجت بثقافة الموت لمن هم أكبر سنا دونما مراعاة لمشاعر كبار السن و الذين هم الماضي هم التاريخ وهم الأصل ؛ ثقافة أعادتنا إلى رمز كبير للنضال والجهاد فعندما حكم القاضي على عمر مختار بالإعدام شنقا قال كلمته المشهورة : الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف. فكيف يحكمون ويرسمون مسار الفيروس ويقررون انه يستهدف كبار السن كما يزعمون؟


الدول المتقدمة روَّجت لتجارة من جيل جديد إنها تجارة الخوف ؛ تريد منا أن نعود أطفالا في بداية المشي عندما نلمح وجها غير مألوف يتراجع ويسقط .

بائعو الخوف يريدون منا أن نلعب لعبة الأقنعة ونختبيء ونعاود الظهور بنصف وجه وعين واحده خلف الاعمدة والجدران .

في مواجهة العدو الخفي نراهم خلطوا الأوراق دونما تمييز بين الشرق والغرب ، بين الابيض والأسود فظهرت أنصاف الحقائق،وتوضحت الغايات بالخطابات ؛ مع العلم أن الجميع بات يعلم تماما أنه لا يوجد في الحياة شيء إسمه غول إنه مجرد فيروس وليس قنبلة ولا حتى ذبابة ؛ بعضهم كشف عن وجود لقاح وعاد ونفى وكل هذا لترسيخ فكر الشبح الذي سيظل عالقا لدينا ولو تجاوزنا الزمان أو المكان.

أي بني أصبح عدد الإصابات صفر والعلاقات أصبحت صفر وسعر النفط إلى ما دون الصفر ، وبدأ العالم كله من الصفر كل هذا حدث في عام آخره صفر ، وحصحص الحق و ظهرت قيمة من لا قيمة له .

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا